صفا الزعبي
مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية المقررة في أيار عام 2026، يعود إلى الواجهة ملف اقتراع اللبنانيين المقيمين في الخارج، محمّلًا بخلفيات سياسية عميقة تمتد من نصوص القانون إلى حسابات السلطة؛ فبينما يُفترض أن يشكل هذا الحق خطوة ديمقراطية تتيح مشاركة اللبنانيين المنتشرين حول العالم في اختيار ممثليهم، تحوّل إلى محور اشتباك سياسي جديد حول المادتين 112 و122 من قانون الانتخابات رقم 44 الصادر عام 2017، اللتين تنظمان عملية اقتراع المغتربين.
ينصّ القانون الحالي على أن المغتربين سيقترعون في انتخابات 2026 لستة مقاعد مخصصة لهم، موزعة على القارات الكبرى، على أن تُلغى مشاركتهم في الدوائر المحلية داخل لبنان؛ أي إنّ المغترب لا يصوّت للـ128 نائبًا، بل فقط لمقاعد محددة تمثّل الاغتراب اللبناني. إلا أنّ هذا الترتيب، الذي أُقرّ قبل أعوام تحت عنوان ”تمثيل المغتربين في البرلمان“، عاد اليوم ليثير جدلًا حادًّا بين القوى السياسية، بين من يراه تقييدًا لحق الانتخاب، ومن يعتبره الصيغة الأكثر واقعية ضمن الظروف القائمة.
شهد هذا الأسبوع تطوّرا جديدًا في الملف بعدما سقطت الجلسة التشريعية التي كانت مخصصة لمناقشة اقتراح تعديل القانون بسبب عدم اكتمال النصاب، ما فُسّر كرسالة سياسية واضحة بأنّ الكباش حول اقتراع المغتربين لم يُحسم بعد. وفي المقابل، أعلن وزير الخارجية والمغتربين عن طرح مشروع قانون معجل مكرر على طاولة مجلس الوزراء يقضي بإلغاء المادتين 112 و122، وإتاحة التصويت للمغتربين على كامل مجلس النواب، أي للـ128 نائبا، أسوة بالمقيمين في لبنان.
المشروع الذي تعتزم الحكومة مناقشته يأتي بعد محاولات نيابية سابقة لتعديل القانون، حين تقدّم 67 نائبا باقتراح مماثل لم يُعرض بسبب الخلافات السياسية ذاتها، ويبدو أن الانقسام العامودي بين الكتل ما زال هو نفسه:
فريق سياسي يرى أن حصر اقتراع المغتربين بستة مقاعد هو إقصاء مقنّع ويمسّ بالمبدأ الدستوري للمساواة بين المواطنين، في حين يتمسك الفريق الآخر بالنص الحالي معتبرا أن إلغاء المادتين يفتح الباب أمام تأثير غير متكافئ للمغتربين في ظل غياب الضمانات لحرية التصويت في بعض الدول، فضلاً عن صعوبة الإشراف اللوجستي على عملية اقتراع تشمل كل الدوائر اللبنانية القانون الحالي، وفقا للمادة 112، ينصّ على إنشاء دوائر انتخابية خاصة بالمغتربين في القارات الست يُنتخب فيها ستة نواب يُمثّلون الانتشار اللبناني، فيما تحدد المادة 122 بدء تطبيق هذا التمثيل في انتخابات 2026، على أن يُلغى اقتراع اللبنانيين غير المقيمين في الدوائر الانتخابية داخل لبنان. بذلك، لا يمنع القانون اقتراع المغتربين، لكنه يربطه بإطار تمثيلي محدود. أما القوى الداعية إلى التعديل، فتعتبر أن هذا الإطار يفرّغ المشاركة من مضمونها ويحوّل ملايين اللبنانيين المنتشرين حول العالم إلى دائرة رمزية لا تعكس ثقلهم الفعلي في الحياة السياسية.
وسط هذا الانقسام، تتصاعد المخاوف من أن يتحول الخلاف إلى ذريعة جديدة لتأجيل الانتخابات. مصادر نيابية حذّرت من أنّ عدم حسم آلية اقتراع المغتربين في الوقت المناسب سيُربك التحضيرات الإدارية واللوجستية، خصوصا أن تنظيم الانتخابات في السفارات يتطلب تنسيقا مع الدول المضيفة وتخصيص ميزانية كبيرة. ويرى مراقبون أن الملف بات يتجاوز مسألة قانونية بحتة، ليعكس صراعا سياسيا أوسع حول موازين القوى في المجلس المقبل. فالمغتربون، الذين صوّت نحو 225 ألفًا منهم في انتخابات 2022، باتوا يشكلون وزنا انتخابيا مؤثرا وغالبا ما يميل تصويتهم إلى قوى المعارضة، ما يجعل توسيع مشاركتهم موضع حذر من بعض الأطراف التقليدية.
في المحصلة، يقف اقتراع المغتربين اليوم بين نص قانوني وواقع سياسي متقلّب ؛ فبينما ينص القانون على تمثيلهم بستة مقاعد ابتداء من انتخابات 2026، يبدو أن تطبيق هذا النص مهدّد بالتجميد أو التعديل بحسب اتجاهات الصراع الداخلي. أما المغتربون أنفسهم، الذين رفعوا شعار ”صوتنا حق لا منّة“، فيترقبون ما ستقرره السلطة اللبنانية في الأيام المقبلة. يبقى السؤال مطروحا: هل تُترجم الحكومة والبرلمان شعار ”إشراك الاغتراب في الحياة الوطنية“ إلى ممارسة فعلية، أم أن الخلاف حول المادتين 112 و122 سيكون مقدّمة لتعليق استحقاق جديد في بلد اعتاد أن يعلّق قوانينه على مشجب السياسة؟

alafdal-news
