حسين درويش - خاصّ الأفضل نيوز
شكّلَ الوضعُ الاقتصاديّ الصَّعب وتراجع قيمة اللّيرة اللّبنانيّة، وارتفاع سعر صفيحة المازوت إلى ما يفوق ال٩٠٠ ألف ليرة، على بُعد مسافةٍ قصيرةٍ من حلول فصل الشتاء تحوُّلًا لدى شريحةٍ كبيرةٍ من البقاعيّين من خلال استبدال مدافئ تعمل على المازوت بمدافئ تعمل على الحطب على أبواب شهر تشرين الثاني. كما دفعت الضّائقةُ الاقتصاديّة وتدني القدرة الشرائيّة مَن ليس لديهم قدرة على شراء مدافئ جديدة بتحويل مدافئ المازوت القديمة إلى تلك التي تعمل على الحطب.
بعض الصُّنّاع القدامى من أصحاب الكار، من العاملين في تصنيع المدافئ المحليّة وإصلاحها لجأوا إلى تحويل مدافئ المازوت إلى مدافئ تعمل على الحطب مقابل عشرة دولارات أمريكية ثمن صفائح حديدٍ جديدةٍ، وأجرة تصنيع وتحويل جديدة وتغيير في الشكل الهندسي للصّفائح المعدنية وبيت النار.
ألم تكن "الحاجة هي أمّ الاختراع"، كما يقول المثل الشّعبي، فكيف إذا كانت هذه الحاجة هي تدفئة الأطفال والعيال بالذهاب نحو ما هو أوفر، في ظلّ فوضى العبث بالثروة الحرجيّة التي لم تترك أخضرَ ولا يابسا!.
بعد ارتفاع أسعار المازوت الذي أدى إلى تدمير الثروة الحرجيّة، وبعدما تقلصّت مساحاتٌ واسعةٌ من أشجار السّنديان والبلّوط واللّزّاب والشّوح والسّرو والبطم والزّعرور، لم ترحم مناشير تجّار الحطب لشدة الطلب عليها أخضرَ أو يابسًا بما فيه الأشجار المعمرة والمثمرة، بالتّزامن مع ارتفاع بورصة سعر طن الحطب إلى ستة ملايين ليرة.
الأسبوع الماضي أقدم مجهولون بالاعتداء على بستان زيتون يعود للنائب السابق عاصم قانصوه على الحدود اللبنانية السورية في منطقة القاع، فحصدت يد العبث ٤٠٠ شجرة معمّرة.
وفي بلدة طاريا _ غرب بعلبك أدى خلافٌ بين أبناء العم من عشيرة آل حمية على خلفية تقسيم المساحات الحرجية بينهما إلى سقوط قتيل.
ولم تسلم أحراج بلدة دير الأحمر في العوجا من مناشير خفافيش الليل، فامتدت يد السوء في جنح الليل، وعملت بمناشيرها على إعدام مئة شجرة معمّرة، يصل عمر الواحدة منها إلى ٢٥٠ سنة، وما لم تتمكن منه يد الأتراك، تمكنت منه يد الشر في غفلة من الليل.
الارتفاع اليوميّ في أسعار المحروقات، دفع بعضهم إلى اللّجوء إلى اقتلاع أشجار معمرة من أمام منازلهم. فها هو الحاج. ع. ص. يقول: "أمام منزلي شجرة حور معمّرة، زرعها الأجداد، ودفعني الوضع الاقتصادي إلى قطع جزءٍ كبيرٍ منها، لم أقتلعها من جذورها، على أمل أن تعود إلى عروقها الحياة في المستقبل".
وأمام هذه الظاهرة الخطيرة التي أجبرت اللبنانيين على اقتلاع الأشجار لتأمين الاتقاء شرّ البرد في الشتاء، يبقى السّؤال: هل تدبّ الحياة في شرايين وطنٍ يعاني أزمةً اقتصاديّة أكلت الأخضر واليابس من ثروات لبنان الحرجية والمثمرة؟!.