زياد العسل _ خاصّ الأفضل نيوز
يكادُ يكون توصيفُ المشهدِ الصِّناعيِّ بالسّيِّء والمتدحرج أمرًا شبه مشتركٍ بين كلِّ العاملين في الصّناعةِ اللّبنانيّةِ بشتى أنواعها. وقد فاقمتِ الأزمةُ الاقتصاديّةُ والمصرفيّة، ومشكلة التّيار الكهربائيّ وسواها من عمقِ الحفرةِ التي حطّ فيها القطاعُ الصّناعيُّ رحاله.
ورغمَ المحاولاتِ الحثيثةِ التي قامَ بها وزيرُ الصّناعةِ جورج بوشكيان، في الفترة الأخيرة، ومحاولة رصِّ صفوف الصّناعيّين، وشحذِ معنويّاتهم، وإجراء ورشِ عملٍ كبيرةٍ وغنيّةٍ بالمعلومات، إلا أنّ كلَّ ذلك لم يغيِّر في مشهديّة هذا القطاع. ولعلّ أيّ إنجازٍ يحقّقُه هذا القطاعُ في ظلِّ الأزمات الأخيرة هو نقلةٌ نوعيّةٌ؛ نظرًا للمعطيات الصّعبةِ المتوافرة. ولأنّه ثمةَ عقودٌ طويلة، كان القطاعُ الزّراعيُّ والصّناعيُّ فيهما مهمّشين، على حسابِ قطاعِ الخدمات، الأمر الذي كان سببًا جديًّا وجوهريًّا من أسباب وصول لبنان إلى هذا الدّرك السّيّء، والبدء من جديد في وضع هذا القطاع على سكّة الإنتاج الجدّي.
في لبنان، اليوم أكثر من 7920 مؤسّسةً صناعيّة. وفي حال كان حسابُ المؤسّساتِ معطوفًا وشاملًا للشّركات الصّغيرة والحرفيّة منها ، يصبحُ عددُ المؤسّساتِ الصّناعيّة انطلاقًا من هذا المعيار هو أكثر من 30 ألفًا. ويستخوذُ جبلُ لبنان على نسبةٍ تكادُ تكون أكثرَ من نصف الشّركات الصّناعيّة، التي تأخذُ في غالبها طابعَ الشّركاتِ الغذائيّة.
ارتباطُ أسعارِ المنتجات الصّناعيّة بالنّفط والغاز كان أيضًا سببًا وعائقا أمام تطوّر القطاع، وهذا ما يحدّثنا به غالب بحمد (صاحب إحدى الشركات التي تعنى بالصناعة الحرفية)، فيقول لموقع الأفضل نيوز: "لا حضورَ للوزارات المعنية ولا دعمَ أو اهتمام، والصّناعيُّ اليوم هو أشبه بالبطلِ الذي يخوضُ معاركَ وجوديّةً دون أيّ شكلٍ من أشكال المساندة له".
الأمر عينه يشيرُ إليه محمد (صاحب شركةٍ صغيرة لإنتاج المدافئ)، "فكثرةُ اليد العاملة غير اللّبنانيّة، وصعوبةُ الاستيراد نظرًا للسعر الحاليِّ للعملة مقابل الدّولار، وشراء الناس للمنتج الصّناعيِّ (أي منتج) بات قليلًا نظرًا لأنّ أولويّةَ اللّبنانيّين أضحت هي أمورهم ذات الطّابع اليوميّ الأوّلي، من غذاء ونقلٍ وثمن اتّصالاتٍ، لذلك فقد نشطنا في فترة حضور الاغتراب، أما اليوم فالمشهدُ مختلفٌ تمامًا وبكلّ المعايير.
لا يمكنُ لاقتصادٍ منتجٍ وفعّالٍ في أيّ دولة، أن يكونَ قائمًا ومتسارعَ النّموّ بمعزلٍ عن القطاع الصّناعيّ، وهذا ما تؤكّده كبرى التّجارب في القارّة الآسيويّة وغيرها، ولكنَّ التّجربةَ اللّبنانيّة الفريدةَ مختلفةٌ بكلّ تفاصيلها، فهل يرعوي المسؤولون ويعيدون هذا القطاعَ لسكة الأولويات، أم أنه سيلفظُ أنفاسَه الأخيرةَ في وقت لم يعد بالبعيد؟.