محمد نجم الدين - خاصّ الأفضل نيوز
لم يكن مفاجئًا ذلك السَّيلُ من ردَّاتِ الفعلِ على ورقة الترسبم البحريِّ بين لبنان وسلطات الاحتلال، حيث يختلطُ في لبنان الغثُّ بالسمين عند التائهين الحالمين بالمستحيل، والذين غالبًا بل دائمًا ينتظرون الفعل للقيام بردَّةِ فعل تتناسبُ مع توجهاتهم بل ارتباطاتهم ٠
ففلسطينُ المحتلةُ منذ أكثرَ من أربعٍ وسبعين سنةً تفتقد لشرعية وقدرة توقيع أيَّة وثيقة تتعلقُ بحدود فلسطين بحكم تسلُّطِ القوى المهيمنة على القرار العالميِّ وحجب هذه القوى شرعية الدولة الفلسطينية ومنحها لسلطة الاحتلال، وعليه لم يكن هناك خياراتٌ أمام الدولة اللبنانية اللاهثة وراء مصدر رزق ينقذها من وضعها المأزوم بفعل الحصار الهادف أصلا الى تطويع إرادتها للتفاوض مع سلطة الاحتلال، والسير في ركاب التطبيع الذي انطلقت عجلته منذ خطيئةِ السادات واتفاقات كامب ديڤيد واستمرار محاولات العدوِّ في توسيع مروحة التطبيع مع الدول العربية ونجاحه في إحداث خرقٍ في الجدار الصلب بعد الوهن الذي دب في الجسد العربيّ ٠
ومع كلِّ ما تعرضت له دول الطوق من حروبٍ وحصار ٍبقيت إرادة الصمود والمقاومة والثبات في عدم الرضوخ للشروط الصهيو-أمريكية واستطاع لبنانُ تحقيقَ المكاسب الممكنة وحفظ حقِّه في ثرواته البحرية مع تمسُّكِه بثوابته الوطنية والقومية ٠
أما الذين تباروا في إدانة الاتفاق وأكثرهم من اللاهثين للتطبيع والتنازل عن السيادة فهم "لا يعجبهم العجبُ ولا الصوم في رجب " لا يستطيعون الهمسَ بضرورة استعمال القوة ،ولا يملكونها أصلا ،ولا يريدون لغيرهم أن يتصرف بالوسائل المناسبة لحفظ الحقوق الوطنية .
ومن العجب أنَّ المعترضين على الترسيم لم يقدموا أيَّة بدائل للطريقة التي حصلَ فيها اتفاق الترسيم سوى النكد والنقِّ لأنهم صغار في معادلات القوة التي فرضتها الدولةُ اللبنانية بالحنكة في إدارة التفاوض غير المباشر والوقوف عند كلِّ تفصيل لإبعاد شبهة الاعتراف أو التطبيع مع العدوِّ مع الحرص على تحصيل الحقوق مدعومة بقوة المقاومة التي كانت وستبقى جاهزةً خلفَ الدولة لحماية المكتسبات وحفظ السيادة ٠
متى يتعلمُ تجارُ السياسة بأنَّ الأوطانَ لا تُصانُ إلا بالقوة، وأنَّ الوقوفَ على أبواب السفارات لا ينتجُ إلا الهوان