أماني النَّجار _ خاصّ الأفضل نيوز
السّمادُ الزّراعيّ، عُنوانٌ جديد يطلُّ مِن بينِ أزمات عديدة يُلاحِقُ المُزارِعَ الذي يُعاني مِن مشاكلَ لا تُعَدّ ولا تُحصى، منها الرّيُّ وارتفاعُ سِعر العمالة.
يُعتَبَر استخدامُ الأسمِدة من الأُمور الأساسيَّة في العمليَّة الزِّراعيَّة، إذْ لا نجاحَ للمواسِم مِن دونِ ذلك، والسَّببُ يعودُ إلى ازدياد الأمراض التي تُصيبُ المَزروعات والتّسريع في عمليَّة النمّو مِن أجلِ تَلبية حاجاتِ الأسواق. لكنَّ تأمين تِلك الأسمدة اليوم، أصبحَ عبئًا على المُزارِعين؛ بسببِ الغلاء.
في هذا السِّياق، تحدَّث الأفضل نيوز مع المُهندِس الزّراعي أنيس حدَّاد (محطّة البذور سيد باوند) حيثُ قال: "إنَّ غلاء أسعار الأسمدة، يُعتبر المُشكلة الكُبرى لدى المُزارع، حيثُ لامَس سِعر طن العشرينات (أحد أنواع الأسمدة) ال ٢٧٠٠$ الذي يَعمَد المُزارعون إلى إذابته بالمياه، وضخِّهِ بالمرشّات وأنابيب التَنقيط، ما دفعهم إلى تقليل الكميّة إلى الرّبع ما تحتاجه المزروعات. وقد ساهمَ غياب الرّقابة من وزراة الاقتصاد ووزارة الزّراعة في دخول أنواع فاسدة سعر الطنِّ الواحد منها ٢٢٠٠$ وهي غير مفيدةٍ للمزروعات؛ أدَّت إلى انخفاض الإنتاج، فعلى سبيلِ المِثال كانت إنتاجيَّة الدونم الواحد المزروع بطاطا عند استعمال الكميَّة المناسِبة، ومن النَّوع الجيّد حوالي ٥٠٠٠ كيلوغرام، أمّا الآن فلا تزيد إنتاجيّة الطنِّ عن ال ١٢٠٠ كيلوغرام، الأَمر الذي يؤدّي إلى خسارةٍ محتومة للمُزارع بنسبةٍ كبيرة، لا تؤمّن نِصفَ كلفةِ الإنتاج من دون أتعابِه".
الأسمدةُ هي إحدى أهم مُدخلات الإنتاج الزراعيّ؛ لأنها تُسهمُ في تحفيز إنتاجيّة الأرضِ والنبات، وقد أُدرجت الأسمدة في بيانات وزارة الاقتصاد للوائح الدَّعم على مدى أشهر بين عامي ٢٠٢٠ و٢٠٢٢، إلاّ أنه رُفع الدّعم لاحقَا؛ ليُصبح استيرادُ الأسمدة مكلفًا كثيرًا بالنسبة إلى المُزارعين. لذا، أصبحت كلفةُ المحروقات المستعملة للريّ، وكلفة الأسمدة، ذات حصّة وازنة جدَّا في كلفة الإنتاج الزراعيّ.
في هذا الصّدد، تحدّثَ موقعنا مع المهندس الزّراعيِّ أسامة الزّغبي، وأشار: "أنَّ كلفةَ الدونم الواحد من الأسمدة والمبيدات، تبلغ تقريبًا ٢٠% من كلفته الإجماليّة"، مُضيفًا "أنَّ أسعارَها ارتفعت عالميًا أكثر من ١٠٠% خصوصًا الفوسفات والبوتاسيوم، كذلك ارتفعت أجور الشَّحن بين عامَي ٢٠٢٠ و ٢٠٢٢ من ٢٨٠٠$ لشحن المستوعب الواحد (الكونتاينر) ال ٩٠٠٠$، ومِن ثُمَّ انخفضت هذا العام إلى ال٣٨٠٠$، وهذا يؤثّر على كلفة الإنتاج للمُزارع، كما يؤثّر في تسعيرة الإنتاج الزراعيّ؛ لتُضاف هذه المشكلة إلى ارتفاع أسعار المحروقات، بشكلٍ كبيرٍ فباتَت تكلِّف ٤٠% من كلفة زراعةِ الدونم الواحد".
"اليوم ومع غلاء أسعار المُبيدات، باتَت الشّركاتُ المستوردةُ تُفتّشُ عن السّلعة الأقلِّ تكلفة، وقد تَعمد إلى استخدام مواد من مصادر غير موثوق بها".
هذا ما أكدّه لنا المهندس محمد نجا (شركة دبّانة) بقوله: "إنّ بعضَ الأنواع ارتفعت أسعارها من ال ٢٢ $ للكيس زنة ٥٠ كيلوغرام إلى ٣٠$، ولكن معظمها بقيت أسعارَها على حالها، ومع ارتفاع الدولار مقارنةً بالليرة، أصبحَ شراؤها يشكّل عبئًا كبيرًا على المُزارع".
وأضاف: "أمّا فيما خصّ السّماد المهرّب نحو لبنان، فهو ليس من صلاحيّة وزراة الزّراعة بل الجمارك والقوى الأمنية؛ لأنّ دورها يقتصرُ على فحص السّماد المستورد بشكلٍ قانونيّ".
ولفتَ: "إلى أنّ ارتفاع كلفة الإنتاج، أدَّت إلى ارتفاع أسعار المنتجات الزراعيّة بالنسبة للمستهلك لكلِّ مزارع لم يستفد من ذلك إلّا قليلًا، لأنّ تّجارَ الجملة وتّجار المفرَّق، هم مَن استفادَ من ذلك، فعلى سبيل المثال بلغَ سعرُ كيلو الفليفلة الخضراء ال ٨٠ ألف ليرة بالمفرّق وسعره بالجملة ٤٥ ألف ليرة، في حين يتقاضى المزارعُ من تاجر الجملة ٢٥ ألف ليرة فقط، وهو من تكلّف العبء الأكبر ماديًّا ومجهودًا".
تبدو المعاناةُ كبيرةً جدًّا، لا سيّما في موضوع تأمين المياه بسبب غلاء المازوت، وعدم قدرة المُزارعين على شِراء هذه المادّة لتشغيل مولّداتهم.
يقول لموقعنا السيّد حسن شاهين: "إنّني أسهر اللّيالي الطّوال على السّواقي لتأمين جرّ مياه النّهر إلى أراضيّ، إضافةً إلى ارتفاع أسعار الأسمدة والبذور".
وتابعَ بامتعاض: "كيف نأتي بتكاليف اليد العاملة وكيف سيتمُّ تصريفُ الإنتاج بالأسعار التي تحقّق لنا ربحنا، دون اللّجوء إلى التّاجر المحتكر الذي يفرض علينا أسعاره؟، الأمر الذي سيجعل الموسم لا يأتي حتّى بتكاليفه، وماذا نفعل بعدما باتت الزّراعة عبئًا علينا وهي كانت مصدرَ الدّخل والوفرة معًا"؟.
الزّراعة قطاع إنتاجيّ ينعكس تطوّره وزيادة إنتاجه على القطاعات الأخرى مجتمعة، فهل تبدأ حلول الأزمة مِن باب الاهتمام بها وبباقي النشاطات الإنتاجيَّة؟.