حمل التطبيق

      اخر الاخبار  ترامب: حماس وافقت على نزع السلاح ولو لم تفعل ذلك سنتولى الأمر   /   ترامب: سمحت لوكالة الاستخبارات المركزية بالعمل داخل فنزويلا   /   ترامب: أفكر بتوجيه غارات على الأراضي الفنزويلية تستهدف عصابات المخدرات   /   البيت الأبيض: سنسرّح 10000 موظّف فدرالي على الأقل خلال الإغلاق الحكومي   /   وزير الدفاع الإسرائيلي: على حماس إعادة جميع الرهائن ونزع سلاحها   /   كاتس: إذا رفضت حماس تنفيذ الاتفاق سنعود للقتال بالتنسيق مع أميركا   /   وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس: أوعزت للجيش بتجهيز خطة عسكرية شاملة لإخضاع حماس إذا تجددت الحرب   /   إعلام إسرائيلي عن مصدر أمني: حماس على علم بمكان وجود جثث رهائن آخرين   /   إعلام إسرائيلي عن مصدر أمني: إذا رأت إسرائيل أن حماس لا تفرج عن جثث إضافية فستدرس خطواتها   /   ‏"أ ف ب": حماس سلّمت رفات اثنين من الرهائن الإسرائيليين للصليب الأحمر   /   واشنطن بوست عن مصدرين: إدارة ترامب قررت تزويد أوكرانيا بمعلومات لشن ضربات بعيدة المدى على بنية الطاقة الروسية   /   ‏"الجزيرة": محتجون يلقون قنابل غاز على مبنى القنصلية الإسرائيلية في برشلونة ويضرمون النار في الطرقات المؤدية إلى مقر القنصلية   /   ترامب: كان علي كبح جماح الجيش الإسرائيلي والحكومة وناقشت الأمر مع نتنياهو   /   تعرض أطراف بلدة يارون في قضاء بنت جبيل لقصف مدفعي إسرائيلي متقطع   /   ‏ترامب لـ"سي إن إن": حماس تعمل الآن على التخلص من العصابات العنيفة وأبحث في هذا الأمر   /   ترامب لـ"سي إن إن": إطلاق سراح الـ20 رهينة كان له أقصى الأهمية   /   عون وهيكل في دائرة الاستهداف   /   رويترز: قاض أمريكي يمدد منع إدارة ترامب مؤقتا من نشر أي قوات من الحرس الوطني في بورتلاند بولاية أوريغون   /   وزير الزراعة: التوقيع على القرار حول شركة "تنورين" كان استثنائيا ولم يمكن لدي التفاصيل كافة وأخذت الموضوع في إطار تقني   /   ترامب لـ"سي إن إن": القوات الإسرائيلية يمكنها استئناف القتال بغزة حالما أقول لهم ذلك ما لم تلتزم حماس بالاتفاق   /   ‏الحيش الإسرائيلي: الصليب الأحمر في طريقه لشمال غزة لاستلام جثتي رهينتين   /   ‏حماس: سلمنا ما لدينا من رهائن أحياء وما بين أيدينا من جثث نستطيع الوصول إليها   /   ‏حماس: ما تبقى من جثث الرهائن تحتاج جهودا كبيرة ومعدات للبحث عنها   /   مدير الميزانية في البيت الأبيض: قد يتم تسريح أكثر من 10 آلاف موظف حكومي خلال فترة الإغلاق   /   نيويورك تايمز عن مسؤولين أميركيين: إدارة ترامب منحت وكالة سي آي إيه تفويضا للقيام بعمليات سرية في فنزويلا   /   

فسادُ الإدارة المزمنُ في لبنان... بئرٌ بلا قرار.. الدوائرُ العقاريةُ مثال..

تلقى أبرز الأخبار عبر :


 

ممتاز سليمان - خاصّ الأفضل نيوز

 

حكايةُ الفساد مع الإدارة في لبنان هي حكايةٌ قديمةٌ ومتجذرة، تعود إلى ما قبل ولادة دولة لبنان الكبير في عشرينيات القرن الفائت.

 

فمنذُ ما قبل عهد المصرفية، والقائمقاميتين كانت ثقافةُ الفساد موجودةً ومنتشرة، وقبل ذلك إبان حكم السلطنة العثمانية، إذ لا تزالُ بعض التعابير والمصطلحات التي تدلُّ على الفساد والرشوة متداولةً ومستمرة حتى يومنا هذا كمصطلح برطيل التركي الذي يختصرُ كلَّ معاني الرشوة والفساد.

 

لم ينشأ الكيان اللبنانيُّ على أسسٍ ثابتةٍ تحكمها سيادةُ القانون والمؤسسات ،بل كان نتاجَ تسوياتٍ خارجيةٍ أو مواثيقَ طائفية، فقبل الإستقلال شكلت فرنسا الدولةَ المنتدبة الكيان، ملحقةً به الأقضية الأربعة في البقاع والشمال وبيروت والجنوب، بشكلٍ مصطنع ما جعل الصراعَ يمكثُ طويلا بين انتماء أهل تلك الأقضية للداخل ام للجوار ، وهو ما تبلور لاحقا في الميثاق الوطنيِّ غداةَ إعلان الاستقلال وخلاف الهوية التي تمخَّضَ عنه بين الشرق (البلاد العربية) والغرب (أوروبا وأميركا) .

 

هذا فضلا عن أنَّ الميثاقَ كان ذا صبغة طائفية بين المسيحيين والمسلمين كطوائف ومذاهب، لا بين مكونات سياسية وأحزاب بهدف بناء دولة ، وبالتالي كانت نظرةُ العائلات الروحية نحو الدولة والإدارة تحديدًا نظرةَ الغنيمة مع الرغبة بالاستفادة من عطاياها من خلال حشو الأزلام والمناصرين والمحاسيب.

 

هذه النظرة الخاطئة للإدارة كانت محفزًا وبيئةً خصبةً لنموِّ الرشوة والفساد، تعززت على مدى العقود حتى تاريخنا الحاضر، وما ساهم في ديمومتها فقدانُ المحاسبةِ والعقاب وفقَ ما سبق وأثرناه في مقال سابق حول ثقافة الإفلات من العقاب السائدة دائما وأبدا.

 

بعد الطائف عُرفت محاولةٌ يتيمةٌ لمحاولة تنظيف الإدارة مع ما اصطلح على تسميته بالتطهير الإداريِّ صيف العام 1993، بهدف تنقية القطاع العام من الفاسدين، ولكن ما لبث أن أعلنَ فشله نتيجةَ ضغوطات القوى السياسية الطائفية التي أخذت كلَّ واحدة منها تضغط تجاه إعادة موظفيها المفصولين، كون أولئك يشكلون ركيزتها في الإدارة.

 

واستمرَّ الأمرُ على هذا المنوال والفساد والرشوة والمحسوبية تنخر جيد الإدارة اللبنانية على اختلاف قطاعاتها حتى بات الفسادُ هو القاعدةُ والنزاهة الإستثنائية، حتى أنَّ وجودَ موظف نزيه هنا وهناك أصبح مدعاةً للتعجب وغالبا ما يطلقون عليه لقب "غشيم" أو "معتر" ، ولا تكون له أيةحظوظ في استلام مراكز هامة.

 

سنتطرق في ضرب الأمثلة إلى أمانات السجلِّ العقاريِّ في الجوالة اللبنانية، ولنتأمل جيدا في هذا التوصيف الذي أطلقه المشرع واصفًا الإدارة بالأمانة والموظف بالأمين، مع ما يفترضُ أن يحملَ من معاني النبل والشرف والنزاهة والحرص على المال العام، لتجدَ الواقعَ مغايرًا ومعاكسًا تماما.

فأماناتُ السجلِّ العقاريِّ في مختلف المناطق تحولت إلى أوكارٍ للفساد المعشش المزمن، وعلى *عينك يا دولة* ويا تفتيش، ففاضت بالسماسرة والأزلام الذين تغصُّ بهم غرفها وأروقتها، وصار الحضور إليها كمن يخوضُ غمارَ بحرٍ لجِّيّ، حتى إذا غضب الله على أحد المواطنين ورغب بمحاولة إنجاز معاملة ما بنفسه ليخرج مصابا بصداع نصفيٍّ وشبه جنون، لأن لا أحد سيردُّ عليه أو يلقي له بالاً.

 

 فالسيستم الراكب معروف بين السماسرة ومعقبي المعاملات مع أمناء السجلِّ وباقي الموظفين، بحيث أنَّ المعاملةَ ستمرُّ بقنوات وموظفين حتى تصلَ إلى أمين السجل، وقد تستغرقُ المعاملةُ الناشفة أو غير المتبناة من سمسار شهورًا لأنَّ كلَّ موظف سيطرحها جانبا على الرفّ - هذا اذا لم تفقد - في حين تجد المعاملات ال vip تسير بين المكاتب بإنسيابية وثبات لأن الموظف قد قبض المعلوم.

 

إن أكبرَ خطر على الإدارة عامة يتمثل في عصابات السماسرة وبعض الموظفين الذين يسيطرون على غالبية المعاملات العقارية وبالقوة بحيث لا يجد المواطن بدًّا من توكيل سمسار بمعاملاته طبعا بعدما يُهمسُ في أذنه من قبل الموظفين مرارا وتكرارا ما إلك إلا فلان أو علان لتخلص معاملتك.

وفلان وعلان من السماسرة يتعامل مع الموظفين كشركاء بالنصّ وتفتح أمامه السجلات والكمبوترات والمستودعات وله الأفضلية على غيره من المحامين والمواطنين، ولتنظر الدولة أو التفتيش أو ما سواه في ثروات ومستوى معيشة بعض الموظفين في الدوائر العقارية أو رؤساء المكاتب أو أمناء السجلِّ وتسألهم من أين لكم هذا؟! وهل تتناسب معيشتهم ومستواهم الراقي مع راتبهم الشهري!!

بعيد الأزمة ازداد الترهل والتراخي فتحول بعض الموظفين أنفسهم إلى معقبين للمعاملات العقارية على حسابهم تاركين مئات المعاملات جانبا، متسببين بفوضى عارمة في أروقة الدوائر.

 

مؤخرًا بدأت محاولةُ محاسبةٍ جدية تمخضت عن توقيف معظم العاملين في هيئة تسجيل السيارات والآليات في بيروت وتوقيف مديرها العام ، كما وجرت محاولة للتنظيم في أمانة السجل العقاريِّ في بعبدا ،حيث مُنع السماسرة من الدخول، على أمل أن تستمرَّ هذه الحملات لتنقية واستقامة العمل الإداري في هذا القطاع الحساس.

 

وأخيراً وبما أن التعميمَ لا يقارب المنطق والعقل ولأنها إن خليت خربت، لا بدَّ من الإشارة إلى وجود بعض الموظفين على قلتهم ومن بينهم أمناء سجل ورؤساء مكاتب يعملون بضمير ووفقاً للأصول، فتجد مثلا امينة سجل تداوم على رأس عملها من الإثنين إلى الجمعة حتى ساعات متأخرة في سبيل تسيير وتسهيل معاملات المواطنين، وتستقبل كلَّ مراجع شخصيًّا في مكتبها دون تأفف أو انزعاج.

 

 هذه النماذج ينبغي الإضاءة عليها وتشجيعها وتكريمها لنصل إلى يوم لا يعتبر فيه ولوج باب الإدارة من مواطن كمن يركب المجهول، وعلى أمل وضع حدٍّ لتلك المغر والكهوف المظلمة وهدمها ليبنى على الشيء مقتضاه.