ريما الغضبان – خاصّ الأفضل نيوز
وكأنها كانتِ الشرارةَ الأخيرةَ لإحراقِ ما بقي من عاداتِ مجتمعنا العربيِّ وأخلاقه. فما كان وراءَ الكواليس أصبحَ أمامَها وعلى العلن، وبات بعضُ الشباب العربيِّ يُشاركُ كلَّ ما هو ممنوع، ليصبحَ مسموحًا وعلى الملأ.
"تيك توك"، التطبيقُ الذي أسدلَ السِّتارَ على خصوصيَّة الكثيرين.. حتى أصبحوا يشاركون الرَّقصَ والتَّعرِّي والانحطاطَ الأخلاقيَّ وفيما ندر يستعمله بعضُهم في أمورٍ مفيدة، أكثر أخلاقًا وأقرب للواقع العربيّ.
تيك توك منصَّةٌ اجتماعيَّةٌ للمقاطع الموسيقية، تمَّ إطلاقها عام ٢٠١٦ بواسطة مؤسسها تشانغ يى مينغ. وتعتبرُ الشبكة اليوم، منصةً رائدةً في آسيا والعالم. إذ يشهدُ تطبيقها أسرع نموٍّ في العالم، وصارتِ المنصَّةُ الاجتماعيةُ الكبرى للموسيقى والفيديو على الصعيد العالمي. وقد صُنف التطبيقُ ثالث أكبر شبكة اجتماعية للعام ٢٠٢٢، وتتوقع شركة insider intelligence المعروفة سابقًا باسم emarketer أن يصلَ تيك توك إلى ٧٥٥ مليون مستخدم شهريًا في آخر العام الحاليّ، بعد أن شهد نموًا بنسبة ٥٩،٨٪ في عام ٢٠٢٠، و٤٠،٨٪ عام ٢٠٢١.
يُعطي تطبيق تيك توك فرصةَ الحصول على أرباح مادية، من خلال عدد المتابعين حيث يحصلُ صاحب الحساب على مبلغٍ يتراوح بين ٣و٤$ أميركي لكل ١٠٠٠ مشاهد. أما الشخص الأكثر متابعة عالميًا هي تشارلي داميليو (راقصة على مواقع التواصل الاجتماعي) مع أكثر من ١٠٠ مليون مُتابع، وعربيًا حصلت عارضةُ الأزياء السعودية ألين سليمان على لقب صاحبةِ أكبر تيك توك عربيّ.
استطاعَ تطبيقُ تيك توك تحقيقَ انتشارٍ كبيرٍ في الدول العربية، حيث دخلَ كلَّ منزل مقتحمًا خصوصيات البيوت. وانتشرت مقاطعُ صادمةٌ لفتيات يرقصن ويتمايلن في الشوارع، وزوجات داخل غرف النوم وهو ما لم تعتد عليه المجتمعاتُ العربية، إذ لطالما اعتبر الرَّقصُ والعريُ الفاضحُ من الفواحش والمحرمات. في الجانب الآخر، فان هذه المقاطعَ تتسببُ يوميًا بمشاكلَ اجتماعيةٍ لما تخلفه من غيرة بين الناس، حيث يظنُّ الكثير أنَّ حياتهم أقلُّ سعادةً بسبب ما ينشره المشتركون من مقاطع تظهر الرفاهيةَ والحبَّ والعلاقات الزوجية والعائلية الجميلة، الأمر الذي يخلقُ شعورًا بالنَّقص في حياة الآخرين، وربمًا أمراضًا نفسيةً مثل الاكتئاب، ظنًا منهم أنَّ حياة هؤلاء كاملة، ولا تحمل أيّة مشاكل، كما يُعتبر هذا التطبيق مصدرًا للتحرُّشِ اللفظيِّ من خلال تعليقات المُشاهدين.
أما الأمرُ الأكثر خطورةً فيكمن في الأفكار التي يروّجُ لها هذا التطبيق، في محاولةٍ لاختراق العقول العربية الشابة، واقناعِها بأنَّ كلَّ ممنوعٍ مسموحٌ، وأنَّ الحدود والأخلاق هما تأخرٌ وتدلان على عدم احترام الرأي الآخر. ففي كلِّ مرة نستخدم فيها هذا التطبيق، لا بُدَّ من ظهور مقاطع تخصُّ المثليين (الشاذين) في مشاهد لا أخلاقية، ويصعبُ على العقل تصديقُها للوهلة الأولى، إلا أنَّ ظهور مثل هكذا مقاطع يوميًا سيجعل الشباب العربيَّ أكثر تقبُّلًا لها ولربما سيصبحُ الأمر عاديًا ومقبولاً في السنوات المقبلة.
من ناحيةٍ أخرى، فإنَّ هذا التطبيقَ حمل بعضَ الإيجابيات، فهناك الكثير من المقاطع التي باتت تُشجع على الدين والأخلاق، حيثُ قام بعضُ الدعاة والمؤثرين باستخدامه بشكلٍ إيجابيّ، من خلال تعليم الشباب أهميةَ الدين وحثهم على ممارسة العادات الجيدة. إلا أنَّ بعضَ الفيديوهات المرَوجة للعُهر والشذوذ هي الأكثر انتشارًا.
لم تعدِ الخطوطُ الحمراء موجودةً في مجتمعاتنا العربية، فكلُّ ممنوعٍ بات مسموحًا، واختلطت مفاهيم الحلال بالحرام، وأضحى التديُّن والأخلاق "موضةً قديمةً" تحت شعار "مُعقدين". وهذه البداية فقط، والقادمُ سيحملُ الكثير من الانفتاح الذي لا تُحمدُ عقباه على المجتمعات العربية. أمام هذه المخاطر التي يحملُها هذا التطبيقُ، أصبحت الكرة في ملعب الأهالي لحماية القاصرين وحثِّهم على استخدام هذه التطبيقات بشكل إيجابيّ...