وثائقُ مُلكيةِ الأرضِ تُتناقل.. جيلًا بعد جيل
محمود الزيات ـ خاصّ الأفضل نيوز
منذ أربعةٍ وسبعين عامًا، واللاجئون الفلسطينيون يتوارثون جيلًا بعد جيل، وثائقَ مُلكيَّة أرضٍ لم يزرعوها، وبيوت لم يسكنوها، منذ منحهم المجتمعُ الدوليُّ وأممه المتحدة صفة "لاجئين"، خُصِّص لهم يومٌ عالميٌّ للتضامن معهم، هو يوم التاسع والعشرون من تشرين الثاني من كلِّ عام (اليوم).
برفق، يقبضُ اللاجئُ الفلسطينيُّ جميل مقدح، على تسعِ وثائق ملكية لأراضٍ يملكها والدُه في قريته الواقعة في الجليل الأعلى لجهة الحدود مع جنوب لبنان، لكنه يشعرُ أنَّه يقبضُ على الجمر، وهو منذ تسلُّمها بعد وفاة والده قبل سنوات، يحرصُ على أن لا تتأثَّر بفعل "الفلفشة"، ويقول: "هذه أمانةٌ اعتدنا على أن نتبادلها بين أفرادِ العائلة، جيلًا بعد جيل، إنها الإثر الماديُّ الوحيد الذي ما زلنا نحتفظ به، من قريتنا الغابسية، وهذه الصكوكُ هي الرمزُ الذي يُدلّلُ على حقنا في العودة إلى أرض الديار".
جميل حسين المقدح السبعيني، وقد كان طفلًا حين نزح مع عائلته إلى لبنان، يقيم في مخيم اللاجئين الفلسطينيين في عين الحلوة قرب مدينة صيدا في جنوب لبنان، وهو واحدٌ من قلَّةٍ ما تزال تحتفظ بصكوك الملكية التي توارثتها الأجيال الفلسطينية المتعاقبة، وتعاملت معها على أنها ملكية متاحة وحقيقية، برغم مرور أكثر من سبعة عقود من اللجوء الفلسطينيّ، ويقول: "هذه الوثائقُ أورثها جدي لأبي الذي ينتمي إلى الجيل الأول لـ "النكبة" (1948)، وعلى مدى ستين سنة، حفظ هذه الوثائق التي تثبت أنه يملك نحو 400 دونم وبيت وبيارة في قريتنا "الغابسية" وفي السميرية والمنشية (في قضاء عكا)، توفي والدي، يضيف: عام 2007 عن عمرٍ ناهز َالخامسة والتسعين، وهو واحدٌ من أكبر المعمرين في صفوف اللاجئين في لبنان.
ويشير إلى أنَّ "هذه الوثائقَ التي ورثناها، سترثها أجيالٌ أخرى من الأبناء والأحفاد، وتوارث صكوك ملكية الأراضي في القرى الفلسطينية المدمرة والمهجورة منذ أكثر من سبعة عقود، أصبح تقليدًا شائعًا بين الفلسطينيين ،ومحببًا لديهم، يتجدَّدُ فيه الانتماءُ إلى فلسطين، وهذه وصيةُ الأجداد والآباء".
أما اللاجئ الفلسطينيُّ شاكر توفيق ياسين من الجيل نفسه الذي ينتمي إليه المقدح، وهو من بلدة الزيب ـ قضاء عكا، فيحتفظُ بوثائق ملكية باسم والده وجده لابيه، لأراض وبيارة وبستان مزروع بشجر الزيتون، ومنزل كان قائمًا قبل بداية رحلة اللجوء المستمرة، ويقول: "ما زلنا نحتفظ بهذه الوثائق لأنها ترمز إلى الأمل الذي نحمله بالعودة إلى إرضنا، ويشير إلى أنه كان بعمر الثلاث سنوات، حين نزحت عائلته من قرية الزيب ولجأت إلى لبنان".
حالة من التأثر ترتسمُ على وجه ياسين، والسبب بحسب ما يقول: "أصبحنا نتناقلُ هذه الوثائقَ ونُورثها لأبنائنا واحفادنا ، كما أورثها لنا أجدادنا لآبائنا"، ويأسفُ على أنَّ عدد اللاجئين الفلسطينيين من الجيل الأول للنكبة (1948) يكاد يكون بمعظمه في "ديار الحقِّ" ، لكنَّ الوثائق التي تركوها لنا أمانةً تبقى حيَّة ، وسنتركها بدورنا أمانةً لـ "الورثة" الجدد، علَّهم يدوسون يوما على هذه الأرض، وكلُّ الصفقات التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية لن تفقدنا الأملَ بالعودة.
روايةٌ يتناقلها اللاجئون الفلسطينيون المقيمون في لبنان، عن أنَّ الأفواجَ الأولى للاجئين الفلسطينيين ، وحين وصلت قبل إلى بلدات حدودية في جنوب لبنان قبل أربعة وسبعين عاما، لم يكن بحوزتهم الا "مفتاح الدار" ووثائق ملكيتهم أو ما يسمونه "اوراق الطابو" ، لأن الاعتقادَ السائدَ آنذاك لديهم كان انتظار عودة سريعة إلى الديار، لكنَّ الحقيقةَ المرَّة.. إن من كان ينتظر هذه العودة رحل قبل سنوات طويلة .. وما على الأجيال التي تلت إلا أن تحملَ أمل العودة.
باستهزاء تُعامَلُ جموع اللاجئين الفلسطينيين في مخيم عين الحلوة أو "عاصمة" الشتات الفلسطينيِّ في لبنان، كما يسميه سكانه، مع إعلان كلِّ القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة ، ومنها القرار 194 الذي ينصُّ على حقِّ عودة اللاجئين الفلسطينيين، ويجاهرون بامتلاكهم لحزمةٍ من وثائق الملكية لأرض محتلة منذ العام 1948، يحتفظُ بها الفلسطينيون في خزائنهم العتيقة، وإن بدت باهتةً بفعل مرور سبعة عقود، أو حفظها بطريقة عشوائية، بعضها صادرٌ عن الإمبراطورية العثمانية وبعضها عن الانتداب البريطانيِّ و"حكومة فلسطين"، بحسب الوثائق التي أبرزها لاجئون فلسطينيون مسنُّون يقيمون في مخيمات لبنان، تبقى كحزمةِ أملٍ بالعودة إلى هذه الأرض.