ريما الغضبان – خاصّ الأفضل نيوز
لم تكن أحلامهم يومًا على قدر حُكّام بلادهم، ولم تتّسع أوطانهم لاحتضان أمانيهم، فقرّروا الرّحيل إلى أرضٍ تعانقهم وتعينهم على الحياة. رحلوا، هاجروا، ولجأوا تحت ظروفٍ قاهرةٍ بحثًا عن العمل والعلم والإنسانية. فمنهم من أجبرته الحروب على الهرب، وآخرون أرغمهم الفقرُ على الفرار، وملايين ذهبوا من الظلم والقمع والذّلّ. في يومهم العالميّ، تحيةً لكلّ مهاجرٍ ومغتربٍ عربيٍّ ترك وطنه مرغمًا، فأنتم اليوم صمّامُ أمان أوطانكم والأيدي المُسعفة دائمًا.
يحتفلُ العالمُ في ١٨ ديسمبر/ كانون الأوّل من كلّ عامٍ باليوم الدّوليّ للمهاجرين، وهو اليوم الذي اعتمدته جمعيّةُ الأمم المتّحدة، بعد الأخذ بعين الاعتبار الأعدادَ الكبيرةَ والمتزايدةَ للمهاجرين حول العالم، من خلال نشر المعلومات عن حقوق الإنسان والحرّيّات الأساسيّة لجميع المهاجرين. تُشيرُ آخرُ التقاريرِ التي نشرتها مفوضيّة اللّاجئين إلى أنّ عدد المهاجرين الذين هاجروا أو أجبروا على النّزوح من الدّول العربيّة يُقدر بنحو ال ٣٢،٨ مليون عام ٢٠٢٠. وبلغت نسبة من هم قادمون من البلدان العربية ٤٣٪ من مجموع اللاجئين المشمولين بولاية مفوضية اللاجئين (٨،٩ مليون شخصٍ من أصل ٢٠،٧ مليون شخصٍ حول العالم).
١٢٥ عامًا مضى على احتلال فلسطين، ولم يُحرّك العالمُ ساكنًا، فتهجروا ونزحوا ولجأوا، وما زالوا حتى هذا التاريخ في كلِّ بقاع الأرض. أما ما بقي من دولٍ عربيةٍ، فهي دائمًا في صراعات مع الفقر والحروب والأزمات، من لبنان إلى اليمن، فالعراق وسوريا. الأمر الذي جعل اللّجوء والرّحيل، متفاوتًا بين دولةٍ وأخرى، إلا أن ما لحق سوريا من حروب، ولبنان من أزماتٍ اقتصاديةٍ زاد من الأزمة، فكلُّ عربيٍّ لجأ يومًا إلى هاتين الدولتين، بات مرغمًا على الرحيل من جديد. ففي عام ٢٠٢١، تمّ الإبلاغ عن ١٢٣،٣٠٠ حالة عبور فردية عبرّ قوارب الموت إلى أوروبا والأعداد ما زالت في ارتفاع، فالفلسطينيُّ هرب من سوريا، والسّوريُّ هرب من لبنان، واللبّنانيّ بات يبحثُ عن وطنٍ فذلك الشعبُ الذي لا يموت أصبح يصارع الحياة، في بلدٍ يلفظُ أنفاسَه بصعوبةٍ.
تقولُ المتحدّثةُ باسم الوكالة الأمميّة شابيا مانتو عن هؤلاء اللّاجئين والمهاجرين: "كثرٌ منهم فرّوا من الصِراع والعنف والاضطهاد". وينتاب المفوضيّةَ القلقُ إزاء انتشار الوفيات والانتهاكات على طول الطّرق البريّة، وأكثرها شيوعًا في بلدان المنشأ والعبور. وتضيف مانتو: "خلال رحلاتهم، لا يملكُ اللّاجئون والمهاجرون سوى خياراتٍ قليلةٍ، ومنها الاعتماد على المهرّبين؛ الأمر الذي يعرّضهم للانتهاكات بشكلٍ كبير".
وكأنّ السّفنُ تجذف بالشّعب العربيّ عكس ما يشتهي، فالكلّ يبحثُ عن وطنٍ، عن أمانٍ، وحياةٍ. ربما بات من سوء حظ هذه الأجيال أن تكون عربيةً، فهي تعيشُ القهرَ والمعاركَ والفقر، تبحثُ عن الطعام والملابس والعلم حتى ظنوا أنها كماليات، وليست حقوقًا. في زمنٍ لا يُدرك الطفلُ العربيُّ معنى الطفولة، تجفُّ كلّ الأقلام فهم يعيشون في أوطانٍ يديرُها أشّباهُ حكام نسوا مصالح الأمم، وصاروا "اللهم نفسي ومصلحتي الشّخصيّة".
في اليوم العالميِّ للمهاجرين، لم تعد الغربة حكرًا على المهاجرين، فالشعبُ العربيُّ أضحى مهاجرًا في أوطانٍ لا تحتضنهم. وكأنه قدرُ كل عربيٍّ ترك الوطنَ أو تحمل ذلَّ العيش فيه؛ بسبب القيادات العربية، إلا من رحم ربي. فبتنا من عالمٍ عربيٍّ نصفه شهيدٌ، نصفه لاجئٌ ومهاجرٌ، والباقي ينتظر...وعن فلسطين المحتلة فأنتِ الاستثناء، لن يترُككِ شعبٌ عقيدتهُ قوةٌ لا تُهزم!.