إسلام جحا _ خاصّ الأفضل نيوز
في لبنان، البحثُ عن "الطَّوابع الماليَّة" بات كالبحثِ عن "إبرة في كومة قش". واقعٌ يعكس عمقَ الأزمة الاقتصاديَّة التي تعصف بالبلاد منذ أكثرَ من ثلاث سنواتٍ، تُضاف إليها أزمةُ إضراب الدَّوائر الرَّسميَّة والقضائيَّة، وتناوبُ موظّفي مؤسَّسات الدَّولة، إلى جانب غلاء البنزين، وانخفاض الرَّواتب، وارتفاعِ سعر صرف الدُّولار الذي يواجه أصحابَ الشّأن لإنهاء معاملاتهم. هذه الأزمات دفعت بوزير الماليَّة، ولو متأخّرًا، إلى طرح عددٍ من المخارج علّها تساعد في الدَّفع بعجلة المعاملات الرَّسميَّة إلى الأمام.
أزمة الطَّوابع الماليَّة لا تبدأ عند فقدانها من السُّوق فحسب، إنَّما عند احتكارها لدى بعض التُّجَّار ومعقّبي المعاملات الذين دخلوا السُّوق السَّوداء من بابها الواسع، فتضاعفت أسعارُها، وباتت لقمةً سائغةً في أفواههم في ظلِّ غياب الرَّقابة والمحاسبة، فطابع ١٠٠٠ ل.ل. صار بقيمة ١٠٠،٠٠٠ ل.ل. "واللي ما بدّو يشتري هو حُر" أو فليبحث عن طوابعَ بقيمةٍ أقلَّ وليُسوِّ ورقته الرّسميَّة خريطةً. وفي هذا الصَّدد، يرجئ أستاذ قانون أصول المحاكمات الجزائيَّة وممثّل نقابة المحامين في طرابلس لدى لجنة الإدارة والعدل سابقًا المحامي بالاستئناف محمد حافظة في حديثٍ خاصّ للأفضل نيوز، يرجئ سببَ أزمة فقدان الطّوابع إلى الاحتكار والجشع؛ لأنَّ العادة درجت في السَّنوات الأخيرة أن يعمدَ بعض أصحاب القرار في وزارة الماليَّة إلى الاحتفاظ بالطّوابع لديهم، وإلى عدمِ بيعها لتنشيف السُّوق؛ من أجل تحقيق أرباحٍ مضاعفةٍ، بعد أن يتمَّ توزيع الطّوابع على كبار التُّجّار للمساعدة في احتكارها. "فالمحتاج إلى تقديم طلبٍ لدى الدّوائر الحكوميَّة لا يسجِّل اعتراضًا إذا ما تمَّ استيفاء الثّمن منه مضاعفًا. وما يزيد من تنامي مظاهر الاحتكار هو انتشارُ ظاهرة معقِّبي المعاملات الذين يستغلّون حاجة النّاس إلى إنجاز معاملاتهم بسرعةٍ".
ويضيف المحامي حافظة لموقعنا "إنَّ غيابَ الشّكوى لدى النَّاس فتح البابَ أمام هؤلاء المحتكرين للإمعان في احتكارهم. وهذا يعني أنّ غياب المساءلة وتحمُّل المسؤوليَّة، وتاليًا العقاب، ترك هؤلاء على غيِّهم، وهذا دليلُ تسيَّبٍ تسبّب بفوضى الاحتكار؛ لأنه لا رقابةَ حقيقيّّة. هذا الاحتكار، بالشّكل الذي يظهر به اليوم، يضطر بالمحامي أو صاحب العلاقة إلى شراء الطّابع من السُّوق السّوداء بأضعاف السّعر الأساس، لعدم تمكّن أصحاب العلاقة من الوصول إلى ماليّة بيروت، إذا ما توفّرت الطّوابع بسبب عملها المتقطع وإقفالها مراكزها عددًا من الأيّام".
وقد عكفت مديريَّة الخزينة على إعداد "تدابيرَ حاسمةٍ" منذ شهرين متقدّمةً بسلسلة حلول منها: تقريب موعد إلغاء سلاسل الطوابع ما قبل سنة ٢٠٢١، بالإضافة إلى تسليم ٥ ملايين طابع أسبوعيًّا إلى المحتسبيات تقوم مطابع الجيش اللُّبنانيّ بطبع ٣٠ مليون طابع منها. هذا إلى جانب السّماح إلى صاحب المعاملة بدفع قيمة الطابع بموجب"إيصال" يستحصل عليه من المديريّة حيث تجري المعاملة، وفقًا للقانون، على أن يُعلنَ عن هذا الإجراء الأسبوع المقبل للبدء بالعمل به في السِّجلّ العدليّ وعند المخاتير ونقابة المحامين.
أمّا ما يُحكى عن إغراق السّوق ب٥ ملايين طابع ماليٍّ، يقول المحامي حافظة: "إنَّه لن يُستهلكَ حاليًا بسبب توقّف العمل القضائيّ؛ نتيجة الإضرابات وتوقُّف المرافعات، وعدم تقديم لوائح، وبالتَّالي فإنَّ هذا الرَّقم كبيرٌ، وسيكلّف خزينة الدَّولة مبالغ طائلةً، رغم أنه قد يسهم بالتَّخفيف من الاحتكار والتّزوير، إلا إذا حُلّت أزمةُ الإضرابات فستكون الدَّوائر أمام حاجةٍ أكبر، ونعود إلى الدَّائرة المفرغة نفسها".
الحلُّ، بحسب المحامي حافظة، يكمن بتسديد قيمة الطّوابع في صندوق الماليّة، وقد اعتمد هذا الحلُّ في الحرب الأهليَّة اللُّبنانيَّة، والحقيقة أنّ ورقة الطَّابع من فئة ال٥ آلاف مثلًا، تكلِّف الدَّولة أكثر من ٥ آلاف ليرة، لذا، على وزير الماليّة أن يتّخذَ القرارَ بإصدار الأمر للعمل بالإيصالات، مع تعميمٍ يصدرُه رئيسُ مجلس القضاء الأعلى للمحامين لاعتماد التَّسديد بإيصالٍ في المنطقة التابع لها. ومن المرجَّح عندها أن المحتكرين سيلجأون إلى بيع الطّوابع بأيّ طريقةٍ، لا سيّما إذا أقرَّت عدم صلاحيّتها.
في المقلب الآخر، يقوم بعض التّجّار بتزوير الطّوابع، ومن ثمّ بيعها للمواطنين الذين يتفاجأون بأنها مزوّرةٌ عند استخدامها في الدَّوائر الرَّسميَّة للدَّولة، في وقتٍ يقوم آخرون باحتكار الطّوابع غير المزوَّرة. أمَّا عن طرق معرفة الطّوابع المزوَّرة من عدمها، فتُعرف من خلال نوعيَّة الورقة التي يطبع عليها الطّابع. في حين يعلّق المحامي حافظة بالقول: "بعضهم ينشر أخبارًا مفادها أنّه ثمة طوابعُ مزوَّرةٌ، وبرأيي، هذا لإخافة المحتكرين فقط، لأننا كمحاكين لم نواجه ذلك.
حتَّى الطّوابع الماليَّة دخلت لعبةَ السُّوق السَّوداء التي تركت مخالبَها تنهش في أجساد اللُّبنانيّين الّذين بات همّهم الأكبر هو تأمين لقمة العيش بعيدًا عن الذّلِّ الذي صار سمةً عامّةً يوصم بها الوضع اللُّبنانيّ، وبالانتظار: هل ستعجز الحكومةُ العتيدة عن فعل ما فعلته حكوماتُ الحرب الأهليَّة من اعتماد الإيصالات الماليّة بدلًا عن طوابعَ في الجيوب؟!.