وفاء ناصر - خاصّ الأفضل نيوز
ونحنُ في شهر الأعياد تكثر الرسائل النصية الوافدة من الماركات العالمية والمتاجر المحلية متضمنةً حسوماتٍ مهمةً لبضائعها، ويخفى عن بالها أنَّ الوضع الاقتصاديَّ المتردِّي الذي نعانيه عزّز شأن مضارب قديم بحلة جديدة، قوامه ليس مجردَ غشٍّ بسيط بل تحريفٌ فاضحٌ لمصطلح تجاريٍّ عبثت به الأهواء الشخصية ربطا بأزمة اقتصادية. مصطلح أساء استغلاله الأفراد ممن لا يملكون رأسمالا معقولا وفضّلوا النوافذ الضيقة، لخوض غمار التجارة، على أبوابها.
هذا الاحتيالُ اللغويُّ أوقع الزبائن في حيرة من جهة، وسوّق للبالة كمفهوم شائع مقبول اجتماعيًّا من جهة ثانية. فما الفرق بين المصطلحين؟.
الـ outlet كما هو معروفٌ، عبارة عن متجر/ محلٍّ يضمُّ كمية من البضائع فاضت عن المصانع الكبرى أو تخللها شوائب تباع للموظفين بأسعار زهيدة. ويعني أيضًا متجرا يحوي تشكيلة المواسم السابقة للمتاجر الأساسية أو أصنافًا من السلع لم تنفذ كليا. تتميز بأنها تباع بأسعار مقبولة مقارنة بالسعر الأساسيِّ الذي كانت عليه، تنتمي لماركة تجارية محلية أو عالمية ونوعيتها جيدة، والأهم أنها مرتبة ومنظمة وتحتفظ إلى حدٍّ ما برائحة المحالِّ الفخمة التي خرجت منها.
وفيما تستفيد المصانع/المتاجر من تصريفِ كامل إنتاجها إفساحًا بالمجال لفرد تشكيلة الموسم الجديد، يتلقّف المواطن من الطبقتين الفقيرة والمتوسطة بشكل عام، إلى جانب بعض الميسورين، هذه الفرصة لشراء سلع عالمية مميزة ومواكبة للموضة بأسعار زهيدة.
وفي مقابل محلِّ الoutlet للثياب يوجد ما يعرف ب"البالة" وهو عبارة عن متجر تفوح من ثيابه الرثة البالية المبعثرة بداخله يمنةً ويسرةً رائحة الفقر الملتصق بالغبار المتناثر والحشرات المتطفلة…
ثيابٌ مستعملةٌ متسخة يبغيها من لا طاقة له ولا قدرة على تحمّل كلفة المأكل والمشرب، فما بالك بشراء الألبسة؟!.
من المعلوم، أنَّ البالة، فيما مضى، كانت مقصدَ عمال المهن اليومية المتواضعة والذين يأتون من الخارج للعمل في الزراعة وفي مهن أخرى إضافة إلى الفقراء جدا. لكنها تحولت مؤخرا إلى مقصد لأبناء الطبقتين الفقيرة والمتوسطة، عفوا أو قصدا، الذين عجزوا عن شراء الملابس الجديدة التي ضاهت أسعارها الحدَّ الأدنى للأجور، مع تدهور قيمة العملة النقدية والشرائية. إذ تحوّلت الرغبة لديهم بشراء ألبسة جديدة إلى حلم يصعب تحقيقه.
وإذا ما قمنا بجولة ميدانية في بعض القرى، لاحظنا ارتفاع نسبة البالات وزوارها تزامنا مع الاحتيال على الزبون الذي وقع ضحية دمج المصطلحين مع بعضهما، خاصة مع تعمّد صاحب البالة استعارة اسم الoutlet وإقحام مضمون مختلف فيه ليستقطب الزبائن الجدد علّهم يتحولون إلى دائمين.
والمفارقة أنَّ بعضَ المتاجر حَوَت النوعين معا وفصلتهما "مكانيا" و"طبقيا" وماليا بفاصل مادي بسيط.
غير أنَّ الغبن يقع حينما يصطدم الزبون بنوعية البضاعة. حينها يتبدّى الأسلوب التجاريُّ بحنكة ودهاء عبر تمنين الزبون بالبضاعة البالية "باب أول" وزيادة سعرها بعد تمييزها عن تلك "المدعوكة بالاستعمال".
والأسوأ من ذلك، تهرّب "تجار البالة" من أي مساءلة محتملة من خلال فرد زاوية في المنزل لعرض البضائع وبيعها للزوار .
أمام هذا الانتشار لهذه الظاهرة، لم يعد يصلح لطرح سؤال "من يحاسب؟" سيما أنَّ البضاعةَ المستوردةَ الجديدةَ والمستعملة ملحوظة قانونا. ولكن لا بدَّ من التوقف كثيرا عندها لجهة دراسة الواقعين الاجتماعيِّ والاقتصاديِّ حاليًّا وأثرها المستقبليُّ تحديدا لجهة الأرقام والمؤشرات الاقتصادية وعلاقتها بالظواهر الاجتماعية.