قمر صالح - خاصّ الأفضل نيوز
في ظلِّ الشغور الرئاسيِّ وحكومة تصريف أعمال تحاول جاهدةً الصمودَ في وجه الانهيار العمودي نحو القاع، حققت دار الفتوى إنجازًا دينيًا – سياسيًا عجزت عنه كبرى الأحزاب والكتل السياسية متمثِّلًا بانتخابات المفتين في مناطق طرابلس، عكار، زحلة، راشيا، بعلبك الهرمل، حاصبيا ومرجعيون.
النتائج كانت مرضيةً لمن أبدوا استحسانهم بشفافية الانتخابات، ومبهمةً لمن تحفَّظ عن البوح بمكنوناته الداخلية، ونسب الأصوات عند الفرز كان لها الصوت الأعلى، فالشيخ محمد طارق إمام مفتي طرابلس فاز بنسبة 66.40%، والشيخ زيد محمد بكار زكريا مفتي عكار بنسبة 45.56%، الشيخ علي الغزاوي مفتي زحلة بنسبة 56.60%، الشيخ وفيق حجازي مفتي راشيا بنسبة 85.70%، الشيخ أيمن الرفاعي مفتي بعلبك الهرمل بنسبة 65%، والشيخ حسن دلي مفتي حاصبيا مرجعيون بنسبة 80.95%.
مفتي الجمهورية اللبنانية عبد اللطيف دريان هنأ المفتين الفائزين بالانتخابات الهادئة والشفافة، متمنيًا أن تكون هذه الانتخابات "رسالةً واضحةً إلى كلِّ القوى السياسية في لبنان لتسارع إلى انتخاب رئيس للجمهورية يجمع بين اللبنانيين ويلتزم الدستور والميثاق الوطنيّ، وخاصة بـاتفاق الطائف الذي أخرج لبنان من نفق النزاعات إلى رحاب الوطن. لكنَّ لبنان المعجون بالسياسة لن يبرئ هذه الانتخابات من المذهبية السياسية. من هنا لابد من طرح بعض الأسئلة، أين تيار المستقبل من هذه الانتخابات؟ ولماذا استثنى المفتي دريان منطقتي صيدا وصور من الانتخابات؟ وهل استبعد دريان سعد الحريري إرضاءً للسعودية الغاضبة منه؟ والتي لم يعد خافياً التوتر بالعلاقة بينهما، وذلك لأسباب باتت معروفة منذ سنوات.
من هذا المنطلق، تأرجحت الإجاباتُ محاولةً التستر َعلى واقع التيار الأزرق الذي بات شبه مهمش في لبنان. مصادرٌ سنية جنوبية كشفت أنَّ استثناء المفتي دريان منطقتي صيدا وصور في الانتخابات مرتبط بعدم التوافق على المرشحين في المنطقتين، كما هو الحال دائمًا، بينما تتحفظ أوساطٌ سنيةٌ مطلعةٌ على أجواء دار الفتوى عن الإجابة قائلة: إنَّ"الانتخابات في المنطقتين مؤجلةٌ حتى إشعار آخر"، والتأجيلُ صفةٌ ليست مستغربةً عن أيِّ قرار لبنانيٍّ مهما كان صغيرًا، إنما عنصر المفاجأة هو الذي طغى على الانتخابات التي تمَّت سريعًا وبهدوء دون أية مخالفات أو خلافات.
أمَّا عن إقصاء سعد الحريري من الانتخابات، فأوضح المسؤول الإعلاميُّ في دار الفتوى خلدون القواص أنَّ "المفتي دريان على مسافةٍ واحدة من الجميع، ولم يُقصِ أحدًا".
في المقابل، أكدت مصادرُ بارزةٌ في تيار المستقبل أنَّ "الرئيس سعد الحريري أعلن تعليق عمله السياسيّ، ولا يتدخلُ بأيِّ شاردة أو واردة في البلد"، هذه الإجابة "الكليشيه" التي يسمعها اللبنانيون مؤخرًا كلما سألوا عن سبب اختفاء الحريري عن كلِّ ما يحصلُ في البلد. فهل اقتنع الحريري بمقولة "رحم الله امرأً عرف قدر نفسه"، ما يعنى أنَّ سعد الحريري بات يعرف جيدًا حدوده وإمكاناته في البلد، وبناءً عليه يستبعد نفسه كي لا يحرج تياره المتحفِّظ والحذِر جدًا مؤخرًا، الذي لم نسمع منه لا تهنئةً ولا امتعاضًا على الانتخابات التي جرت أمس.
إذًا، المفتي لم يقصِ أحدًا وسعد الحريري مُغيَّبٌ عن الساحة اللبنانية بصفة "غائبٍ طوعي" في العلن، فهل تقليصُ حجم التيار الأزرق بَدءًا من شعبويته التي تنخفض يومًا بعد يوم، وصولًا إلى دار الإفتاء؛ لتبعث بـرسالةٍ مبطنة إلى الابن الذي "كان" مدلَّلًا للمملكة العربية السعودية، وبأنَّ الطائفةَ السنّيةَ في لبنان قادرةٌ على الاستمرار رغم التخلّي وسلسلة الخذلان الأزرق منذ سنواتٍ حتى يومنا هذا. أم أنَّ المملكةَ تتعاملُ مع الحريري بأسلوب الوالد الذي يقسو على ولده بعد كثرة الأخطاء، ليتعلَّم؟.