عمر نشابة - مقالات مختارة
دلّ سلوك مؤسسات الدولة الأمنية ÙÙŠ الأØداث التي شهدتها مختل٠المناطق ال​لبنان​ية أخيراً على عجز ​وزارة الداخلية​ عن القيام بواجب "السهر على ØÙظ النظام والأمن». لم ÙŠÙدعَ ​مجلس الأمن المركزي​ إلى الانعقاد، ولم ÙŠÙستدعَ المÙتش العام لقوى ​الأمن الداخلي​، واقتصر دور قوى الأمن إما على استخدام "عن٠لا تقتضيه الضرورة" أو على الامتناع عن "نجدة كل شخص ÙÙŠ Øال الخطر». يشكل ذلك خرقاً واضØاً للقانون ويستدعي، إذا كان ÙÙŠ لبنان دولة أو شبه دولة، ÙØªØ ØªØقيق برلماني ومØاسبة وزيرة الداخلية والبلديات وكل من تخلّى عن واجباته ودوره بØسب القانون
من بين أسباب تظاهر المواطنين ضد ​السلطة​ الØاكمة، طريقة تعاملها المباشر معهم من خلال مؤسساتها الأمنية والعسكرية والاستخبارية وتخلّÙها عن القيام بواجباتها القانونية والأخلاقية.
ÙÙŠ الشهر المنصرم أثبتت وزارة الداخلية عجزها أو تمنّعها عن Øماية المدنيين وأملاكهم من الاعتداءات. وتخلّت وزيرة الداخلية البلديات ÙÙŠ ​Øكومة​ ​تصري٠الأعمال​، ​ريا الØسن​، عن مسؤولياتها الأساسية من خلال قولها لمØطة «Ø³ÙŠ أن أن» الأميركية أنها تستنكر ما Øصل من عنÙØŒ «Ù„كن الأشياء السيئة تØصل» (مقابلة 31 تشرين الأول). بدت المديريات الأمنية المعنية على اختلاÙها غير مهتمّة بواجب Øماية الناس ÙˆÙرض الانتظام العام وتسهيل ممارسة المواطنين Øقهم الدستوري ÙÙŠ التعبير والتجمّع والاØتجاج. وقد يكون أسوأ ما ÙÙŠ الأمر انتشار ​أخبار​ بين الناس تشير إلى تمنع هذه المؤسسات من القيام بواجباتها لأسباب سياسية، ولكون كل منها «Ù…Øسوب» على طر٠طائÙÙŠ مذهبي سياسي ÙÙŠ بازار ​المØاصصة​ و​الÙساد​ الذي يتØكّم ب​الدولة اللبنانية​.
صØÙŠØ Ø£Ù† «Ø§Ù„أشياء السيئة تØصل» خلال ​الØركات الثورية​ الاØتجاجية الغاضبة ومن بينها Øوادث اعتداء وتضارب وتخريب، لكن من أبسط واجبات وزارة الداخلية، من خلال المؤسسات التابعة لها، التدخل الجدي Ù„Øماية جميع المواطنين والمواطنات ÙÙŠ كل الظرو٠وال​Øالات​ من دون استثناء.
إن أداء مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية بدا، منذ انطلاق ​التظاهرات​ الشعبية ÙÙŠ مختل٠المناطق، دون المستوى المهني المطلوب. وزيرة الداخلية والبلديات ومدير ​قوى الأمن الداخلي​، تصرÙا بشكل يدل إلى أنهما لا يتمتعان بكÙاءة جدية ØªØªÙŠØ Ù„Ù‡Ù…Ø§ خدمة المواطنين ÙˆØمايتهم.
إن ​قوى الامن الداخلي​ التي ÙŠÙÙترض أن تكون المسؤول الأول عن الØÙاظ على النظام العام وعلى سلامة المواطنين وممتلكاتهم، عجزت أو تمنّعت عن ذلك، خصوصاً ÙÙŠ ​وسط بيروت​ ÙˆÙÙŠ صور و​النبطية​ و​طرابلس​، Øيث تعرّض الناس ل​إطلاق نار​ واعتداءات بالضرب وتهديدات وترهيب مسلّØ.
نعرض ÙÙŠ الآتي أربعة إخÙاقات أساسية تستدعي ÙØªØ ØªØقيق برلماني ومØاسبة لو كان ÙÙŠ لبنان Ùصل للسلطات ونظام ديمقراطي سليم:
مشاغبات ​مكاÙØØ© الشغب​
استخدمت قوى مكاÙØØ© الشغب التابعة لقوى الأمن الداخلي القوة المÙرطة ÙÙŠ ØÙ‚ بعض المتظاهرين والمتظاهرات، ورمتهم بالØجارة وضربتهم بشكل Ù…Ùهين ينتقص من كرامتهم الإنسانية، وهو ما يدل على تخل٠عن الاØترا٠المطلوب وتراجع ÙÙŠ اØترام أبسط القواعد الأخلاقية.
وبما أن ​الاتØاد الأوروبي​ ودولاً غربية أخرى كانوا قد خصّصوا أكثر من 43 مليون يورو خلال السنوات القليلة السابقة لتطوير قوى الأمن وتدريب ضباطها وعناصرها وتجهيزهم بآليات وعتاد لمكاÙØØ© الشغب، نسأل اليوم: هل أن أداء قوى مكاÙØØ© الشغب ÙÙŠ وسط بيروت يدل على الØد الأدنى من الاØترا٠أم على عمل ضباط Ù‡Ùواة لا خبرة ولا معرÙØ© لديهم بالعمل الأمني الصØÙŠØØŸ وأين ذهبت الأموال وساعات التدريب والعتاد والآليات الØديثة؟ وما هي القيمة الØقيقية لشهادات التدريب التي تملأ جدران مكاتب الضباط؟
المدير العام لقوى الأمن ​اللواء عماد عثمان​ لم يكل٠نÙسه عناء البØØ« عن سبب عجز مؤسسته الواضØ. Ùلم ÙŠÙØªØ ØªØقيقاً جدياً ÙÙŠ أسباب ​العنÙ​ المÙرط ÙˆÙقدان بعض الضباط والعناصر أعصابهم تجاه المتظاهرين والمتظاهرات موجّهين الشتائم إليهم وساعين إلى إذلال الناس وتجريدهم من كرامتهم الإنسانية. كل ذلك Øصل ربما لأن بعض الضباط يعتقدون أن استعادة «Ù‡ÙŠØ¨Ø©» الدولة من خلال تخوي٠الناس وترهيبهم تÙعيد النظام وتضبط الشارع. ورغم أن هذا الاعتقاد المتخلّ٠لا يتناسب مع مقتضيات ​الدستور اللبناني​ بØماية Øقوق الإنسان، يصرّ هؤلاء الضباط على عدم الاستÙادة من الدروس المستقاة من تجارب الأنظمة البوليسية القمعية ÙÙŠ عدد من دول المنطقة.
القمع بالضرب والعن٠يولّد المزيد من الغضب ويجذب المزيد من المتظاهرين
وزيرة الداخلية كانت قد أعلنت ÙÙŠ الأسبوع الأول من التظاهرات عن عدم استخدام القوة ÙÙŠ مواجهة المتظاهرين، غير أنها لم ØªÙˆØ¶Ø Ù„Ø§Øقاً أسباب العن٠ولم ØªØ´Ø±Ø Ù„Ù„Ù†Ø§Ø³ لماذا ÙˆÙضع ​الجيش​ ÙÙŠ مواجهة المتظاهرين، بينما مكاÙØØ© الشغب من اختصاص قوى الأمن الداخلي؟. هل لأن قوى الأمن لا تتمتع بالكÙاءة المطلوبة، كما ذكرنا آنÙاً، أم لأن هناك مسعى لرمي كامل المسؤولية على الجيش؟
على أي Øال، إن ابسط القواعد ÙÙŠ العمل الأمني هي أن القمع بالضرب والعن٠لØالة شعبية عارمة راÙضة لأداء السلطة سيولد المزيد من الغضب وسيجذب المزيد من المتظاهرين. لكن يبدو أن أرÙع الضباط ÙÙŠ ​المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي​ إما يتجاهلون أو لا يعرÙون هذه ​القاعدة​ البديهية، أو يرÙضونها، ويظنون أنها خاطئة. بعض الضباط ÙÙŠ هذه المؤسسة كانوا قد أثبتوا قدرتهم على التÙاوض البنّاء مع المتظاهرين؛ أذكر منهم نقيباً ÙÙŠ ÙˆØدة أمن السÙارات (ب. ع.) كان قد بادر إلى التÙاوض مع متظاهرين غاضبين أمام ​وزارة التربية​، العام الÙائت وتمكن من إقناعهم بعدم إغلاق الطريق والالتزام بالقانون. لكنّ مثل هؤلاء الضباط لا صوت لهم ÙÙŠ المؤسسة التي لا تعمل على ما يبدو ÙˆÙÙ‚ الكÙاءة والإنجازات، بل ÙˆÙÙ‚ المØسوبيات والمØاصصة والتسويات السياسية وتوازنات القوى الناÙذة.
تعطيل المؤسسات
خلال الشهر المنصرم وبعد كل ما شهدته البلاد من توترات ÙÙŠ الشارع وصدامات عنيÙØ© ومشاكل وتخريب لم تدْع٠وزيرة الداخلية والبلديات مجلس الأمن المركزي إلى الانعقاد بهد٠تنسيق عمل المؤسسات الأمنية والعسكرية ÙÙŠ ما بينها وبينها وبين ​القضاء​ (​النيابة العامة​) والمØاÙظات والبلديات و​الدÙاع المدني​.
ولم تستدع وزيرة الداخلية المÙتش العام لقوى الأمن الداخلي الذي يخضع لسلطتها المباشرة ولم تأمره بÙØªØ ØªØقيق ÙÙŠ شأن سلوك (بالÙعل أو بالتمنع عن الÙعل) بعض الضباط والرتباء والعناصر غير القانوني وغير اللائق ÙÙŠ ØÙ‚ المواطنين والمواطنات.
لم يتبين سبب تخلي الوزيرة الØسن عن واجباتها ÙÙŠ هذا الإطار. غير أنها بØسب أوساط ÙÙŠ وزارة الداخلية تسعى إلى تجنب أي خلا٠مع المدير العام لقوى الأمن الداخلي المقرّب جداً من رئيس Øكومة تصري٠الأعمال ​سعد الØريري​.
الأمن الانتقائي
كان لاÙتاً تركيز المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي على Øماية الممتلكات الخاصة لرئيس Øكومة تصري٠الأعمال (أو ما ÙŠÙعر٠بـ«Ø¨ÙŠØª الوسط»)ØŒ Øيث انتشرت Ø£Øدث الآليات ورجال الأمن المجهّزون بأØدث العتاد و​السلاØ​. بينما غاب هؤلاء عن Øماية المواطنين والمواطنات أثناء تعرضهم لهجوم بالعصي و​السكاكين​ ÙÙŠ وسط بيروت. وكان لاÙتاً تركيز قوى الأمن والجيش الØماية على ​المصارÙ​ بدل التنبه بالمستوى Ù†Ùسه إلى واجب Øماية المدنيين والمدنيات والأملاك العامة. يدل كل ذلك إلى تراجع ÙˆØ§Ø¶Ø ÙÙŠ العمل المؤسساتي الساعي إلى الخدمة العامة وتقدم نهج استخدام المؤسسات لخدمة Ø§Ù„Ù…ØµØ§Ù„Ø Ø§Ù„Ø§Ù†ØªÙ‚Ø§Ø¦ÙŠØ© ÙˆØ§Ù„Ù…ØµØ§Ù„Ø Ø§Ù„Ø®Ø§ØµØ©.
وظيÙØ© ضباط قوى الأمن الداخلي ليست عزل ​السرايا الØكومية​ عن المواطنين والمواطنات بل تأمين Øراستها والØÙاظ عليها وعلى من Ùيها. Ùهل لأيّ من هؤلاء الضباط شجاعة مجرد التÙكير بÙØªØ Ø£Ø¨ÙˆØ§Ø¨ السرايا للمواطنين الذين هم ÙÙŠ الأصل المالكون الØقيقيون للسرايا ولكل منشآت الدولة؟ ماذا لو سÙÙ…Ø Ù„Ù„Ù…ØªØ¸Ø§Ù‡Ø±ÙŠÙ† والمتظاهرات بأن يدخلوا باØØ© السرايا ليتظاهروا Ùيها سلمياً وليقابل ÙˆÙد منهم رئيس Øكومة تصري٠الأعمال ويطالبوا بØقوقهم بشكل مباشر ÙˆØضاري وديمقراطي (ويتم توقي٠كل من ÙŠØاول القيام بأعمال شغب ÙÙŠ السرايا)ØŸ
التهديد بالسلاØ
تعرّض مسلØون يدّعون أنهم من مناصري الميليشيات والأØزاب للمتظاهرين والمتظاهرات العزّل ÙÙŠ صور وأبو الأسود والنبطية وطرابلس و​جل الديب​، ونÙشرت مشاهد تدل على غياب تام لمؤسسات لدولة وعودة الى أيام الØرب الأهلية والÙوضى. هذا المشهد الذي تكرر الشهر المنصرم يبرّر بØد ذاته المطالبة بتغيير كامل الطبقة الØاكمة بسبب عدم قدرتها على Øماية الناس من الميليشيات المسلØØ© ÙÙŠ دولة تدّعي القانون والمؤسسات.
ألم يكن بإمكان ضباط قوى الأمن والجيش و​الأمن العام​ و​أمن الدولة​ ضبط الوضع بأسلوب مهني لمنع تعرض الناس الذين يمارسون Øقهم الدستوري ÙÙŠ التعبير عن الرأي لإطلاق نار؟ ما ​الÙائدة​ منهم إذاً ولماذا تÙصر٠عليهم المليارات من موازنة الدولة؟
أليس ممكناً أن يقوم ضباط الأمن العام والأمن الداخلي والجيش بالتنسيق مع الأØزاب والميليشيات والتيارات لمنع أنصارهم من التعرض للمتظاهرين والمتظاهرات، ومنعهم من تهديد الإعلاميين والإعلاميات ومضايقتهم؟
أما ÙÙŠ ما يخص العسكريين المكلّÙين Øماية الوزراء والنواب والشخصيات، ÙØدّÙØ« ولا Øرج عن تخل٠هؤلاء عن أبسط قواعد الاØترا٠والمهنية. Ùمن الناØية التقنية أثبت ما Øصل الÙشل الذريع لأمن الشخصيات وأظهر أن المراÙقين الأمنيين ليسوا سوى مجموعة زعران تم اختيارهم للقيام بهذه الوظيÙØ©ØŒ إما بسبب ولائهم للشخصية المكلÙين Øمايتها أو بسبب مستوى العن٠والشراسة الذي يميزهم. لكن وظيÙØ© الØماية تستدعي ÙƒÙاءات مختلÙØ© أساسها تØمّل المسؤولية ÙÙŠ Øالات صعبة وتØديد الظرو٠التي ÙŠÙÙترض خلالها سØب الشخصية من المكان والتمنع عن المواجهة، وذلك ØÙاظاً على سلامة الشخصية.
لكن يبدو، ÙÙŠ لبنان، أن وظيÙØ© Øماية الشخصيات هي وظيÙØ© Ù…Øبي المظاهر ÙˆØ§Ù„ØªØ´Ø¨ÙŠØ ÙˆØ¥Ø´Ù‡Ø§Ø± Ø§Ù„Ø³Ù„Ø§Ø Ø¹Ù„Ù‰ الناس. ولم يستطع أصلاً أي مراÙÙ‚ أمني Øتى الآن Øماية أي نائب أو وزير أو رئيس أو مدير من ​عمليات الاغتيال​. لكن بالرغم من ذلك يتمسك رجالات السلطة بمواكبهم وبزعرانهم، Øتى لو كانوا باللباس الرسمي ولو كانوا ضباطاً ÙÙŠ ​الأجهزة الأمنية​ أو العسكرية.