د. علي دربج - خاص الأفضل نيوز
إن نظرة خاطفة على المشهد السياسي الأمريكي، واتجاه مجلس النواب الأمريكي لإرسال 17.6 مليار دولار لتعزيز أنظمة الدفاع العسكرية الإسرائيلية والأفراد والمواطنين الأمريكيين في المنطقة نتيجة للصراعات المستمرة، يقودنا ذلك بأن واشنطن مستمرة بحروبها الأبدية، وإن بشكل محدود و قابلة للاحتواء بلحظة ما.
ففي العام 2021، وقبل القرار المصيري الذي اتخذته إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بالمضي قدمًا في خطط سحب القوات الأمريكية من أفغانستان، قال الأخير: "لقد حان الوقت لإنهاء الحرب إلى الأبد"، اللافت أن بايدن حينها كان، وهو لاعب رئيسي داخل مؤسسة واشنطن التي أطلقت جيلاً من التدخلات العسكرية المفتوحة في الشرق الأوسط وجنوب آسيا، يهادن معارضيه والنقاد اليائسين لإغلاق كتاب مغامرات الولايات المتحدة بعد 11 سبتمبر.
وكيف انغمس بايدن بساحات القتال في الشرق الأوسط مؤخرًا؟
وفي الواقع، ومهما كانت مزايا هذا الادعاء أعلاه، فقد انغمس بايدن في الأسابيع الأخيرة، مرة أخرى بساحات القتال المترامية الأطراف في حقبة ما بعد 11 سبتمبر. فقد شنت الولايات المتحدة وعدد من شركائها الغربيين، ضربات على عشرات الأهداف التابعة لجماعات حليفة لإيران في العراق وسوريا واليمن، ردًا على غارة بطائرة بدون طيار قام بها "فصيل عراقي"، أسفرت عن مقتل ثلاثة جنود أمريكيين في قاعدة دعم في الأردن قبل أسبوعين.
وكان بايدن أمر بهذه الضربات في 2 شباط الجاري، كإجراء عقابي قائلا "إذا ألحقت الضرر بأميركي، فسنرد". زد على ذلك، إن الضربات على الحوثيين في اليمن، والتي شارك فيها البريطانيون أيضًا، وصفت بأنها بمثابة رادع ضد هجمات الجماعة على النشاط البحري في البحر الأحمر، وهو شريان حيوي للتجارة العالمية.
وتعقيبا على ذلك، قال وزير الدفاع لويد أوستن في بيان: "لن نتردد في الدفاع عن الأرواح، والتدفق الحر للتجارة في أحد أهم الممرات المائية في العالم"، مضيفًا أنه ستكون هناك عواقب أخرى على الحوثيين – الذين شرعوا في هذا الأمر.
وما تأثير هذه الضربات على الردع الأمريكي ضد إيران وحلفائها؟
في الحقيقة، يشكك المحللون في أن الضربات الأمريكية ستحقق أي أهداف استراتيجية كبيرة. وتبعا لذلك، تجنبت إدارة بايدن عمدا تجاوز الخطوط الحمراء الضمنية لطهران، ولهذا ولم يصب أي أفراد إيرانيين على ما يبدو، بالرغم من أن السلطات العراقية أشارت إلى أكثر من اثنتي عشرة حالة وفاة، بما في ذلك عدد غير محدد من المدنيين.
وبناءً على ذلك قال تشارلز ليستر، مدير برنامج سوريا بمعهد الشرق الأوسط، "يبدو أنه إجراء مهم للغاية من جانب إدارة بايدن، لكن من ناحية أخرى، لا أعتقد أنه سيكون كافيًا لردع هذه الجماعات". وأضاف: إن "هذه الميليشيات منخرطة في هذه الحملة منذ أكثر من 20 عاماً، وهي في صراع طويل الأمد. إنهم يشاركون في نهاية المطاف في حملة استنزاف ضد الولايات المتحدة”.
الى جانب ذلك، أثارت الضربات الأمريكية، كما كان متوقعًا، موجة جديدة من الغضب الإقليمي. وإذ أكد الحوثيون إنهم “سيواجهون التصعيد بالتصعيد”، اتهم مسؤول في وزارة الخارجية الإيرانية الولايات المتحدة وبريطانيا بـ"إثارة الفوضى والإضطراب وانعدام الأمن وعدم الاستقرار". وعلى المنوال ذاته، اعتبر متحدث باسم الحكومة العراقية إن تصرفات بايدن "تضع الأمن في العراق والمنطقة على حافة الهاوية"، وأعرب عن أسفه لأن بلاده كانت "ساحة معركة لتصفية الحسابات".
وهل يمكن أن تنزلق الأمور إلى حرب بين إيران والولايات المتحدة؟
عمليًا، إن العامل المقيد الرئيسي في الوقت الحالي لعدم تدهور الأوضاع وخروجها عن السيطرة في منطقة الشرق الأوسط، هو أن كِلا البلدين الولايات المتحدة إيران، لا ترغبان بحرب شاملة. من هنا، كتب نيك باتون والش من شبكة سي إن إن: إدارة بايدن مقبلة على استحقاق انتخابي، لذا لا تحتاج فيها إلى مغامرة خارجية أخرى مكلفة، أو مشاكل بشأن سياستها تجاه إسرائيل، أو ارتفاع أسعار النفط". وأضاف "لا يزال الاقتصاد الإيراني مهتزًا، والاضطرابات الداخلية لم تعد ذكرى بعيدة بعد، ولديها أهداف أوسع تتمثل في التأثير الإقليمي الضخم، واستنفاد علاقتها الفنية مع موسكو، والسعي الواضح لامتلاك سلاح نووي". كما أوضح البيت الأبيض أنه لا يريد الدخول في حرب مفتوحة مع طهران.
وما هو موقف صقور الكونغرس من الضربات ضد ايران؟
في واشنطن، دعا المشرعون والسياسيون الجمهوريون بايدن، إلى أن يكون أكثر عدوانية ضد إيران، حتى أنهم أشاروا إلى الحاجة إلى شن هجمات أمريكية داخل الأراضي الإيرانية.
ولهذه الغاية كتب سبنسر أكيرمان، المؤرخ المخضرم لحروب ما بعد 11 سبتمبر في الشرق الأوسط: "إن بايدن أقل عنفاً من منتقديه. "لكنه حبس سياسته في موقف حيث يؤدي كل استفزاز إلى تصعيد آخر للتصعيد".
أكثر من ذلك، استحضر أكرمان بديهية كارل ماركس البليغة حول أن التاريخ يلعب في البداية كمأساة ثم كمهزلة. وقال إنه بعد عقدين من مستنقعات الشرق الأوسط، كان بايدن منخرطا في تلخيص هزلي وعن ظهر قلب للكوارث التاريخية التي أدت إلى هذه النقطة، وكان فشله النهائي محتومًا مثل الفظائع التي سيولدها. وتابع لا يزال لدى بايدن الوقت لكبح جماح إسرائيل – وإيجاد طريقة للتفاوض مع إيران قبل أن نعبر العتبة. ولكن ليس كثيرًا."
بالمقابل، كان المعلقون الآخرون أقل انزعاجًا. إذ رفض جوش روجين، كاتب العمود في صحيفة واشنطن بوست، الاقتراح القائل بأن إدارة بايدن يجب أن تسحب الآن القوات الأمريكية الصغيرة نسبيًا في دول مثل العراق وسوريا، والتي تخدم مهمة مدتها ما يقرب من عقد من الزمن لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية المتشدد.
وكتب روجين: "إن الاحتفاظ بكميات صغيرة من القوات الأمريكية في مواقع استيطانية ذات أهمية استراتيجية في الشرق الأوسط ليس مثل خوض حرب إلى الأبد، بل إنها بوليصة تأمين ضد نتائج أسوأ بكثير. وقال " الأمريكيون على استعداد لدفع ثمن بوليصة التأمين هذه، طالما أنها لا تشمل وفيات القوات الأمريكية.
بدوره، يختلف جون هوفمان، محلل السياسات في معهد كاتو للأبحاث التحررية. مع وجهة نظر زميله روجين، مفندا رأيه بالقول "إن وجود أمريكا وسياساتها في الشرق الأوسط لا يردع العنف، ولا يؤدي إلى استقرار المنطقة. وبدلاً من ذلك، فإنهم يحرضون ويخاطرون بتصعيد كبير". وأضاف "يجب على واشنطن إنهاء تبادلاتها العسكرية التي لا هدف لها مع الجماعات المدعومة من إيران في الشرق الأوسط وإعادة القوات الأمريكية إلى الوطن".
في المحصّلة، من المستبعد دخول بايدن في حرب واسعة، فهذا لن يحدث الآن، خصوصا وأن الرئيس يستعد لعام انتخابي مليء بالتحديات. ومن الأشياء المهمة التي تدعم هذا الأمر، هو وجود رئيس يتمتع بخبرة 50 عامًا في السياسة الخارجية، وهو يدرك تمامًا الصعوبات والتوترات والمنافسة في المنطقة"، ولهذا قال السيناتور كريس كونز(ديمقراطي من ولاية ديلاوير) وهو حليف مقرب لبايدن لصحيفة نيو ريبابليك. "أثقّ أن بايدن يوازن بعناية بين كيفية ردع إيران، وكيفية الرد بطريقة تظهر الحزم والتصميم على حماية القوات الأمريكية، مع التركيز على تجنب توسيع الصراع.