د. علي دربج - خاص الأفضل نيوز
قبل أقل من أسبوعين من توجّه آرون بوشنل نحو بوابات السفارة الإسرائيلية يوم الأحد، تحدّث هو وصديق له عبر الهاتف عن هوايتهما المشتركة كفوضويين، وما هي أنواع المخاطر والتّضحيات اللازمة ليكونا فعالين.
لكنّ الصّديق، كشف أنّ بوشنل، 25 عاماً، لم يذكر أيّ شيء عنيف أو تضحية بالنفس.
اللّافت أنّه يوم الأحد الماضي، أرسل بوشنل رسالة نصية إلى ذلك الصديق ــــ الذي تحدّث للصحافة الأمريكية عن المحادثة بشرط عدم الكشف عن هويّته لحماية سلامته ـــ كتب فيها: "آمل أن تفهم. "أحبك هذا ليس منطقيًّا، لكنّي أشعر أنّني سأفتقدك".
أكثر من ذلك، أرسل بوشنل لصديقه نسخة من وصيته التي أهدى فيها، قطّته لجاره، وثلّاجة مليئة بالبيرة لصديقه.
وبعد اثنتي عشرة دقيقة، قام بوشنيل، الذي كان طيارًا كبيرًا في القوات الجوية الأمريكية، بسكب سائل على جسده وأضرم النار في نفسه. حيث كان انتشر مقطع فيديو على الإنترنت يقول فيه إنه لا يريد أن يكون "متواطئًا في الإبادة الجماعية". وصرخ "فلسطين حرة" وهو يحترق. وعلى الفور قام ضباط الخدمة السرية بإخماد الحريق، غير أن بوشنل أمضى سبع ساعات في المستشفى.
وعلى الفور، دفع احتجاجه على الإبادة الجماعية الجارية في غزة، ببعض النّشطاء المناهضين للحرب والمؤيّدين للفلسطينيين بالثناء على فعله البطولي هذا، بينما قال آخرون إنهم شعروا بالصدمة لأنه اتخذ برأيهم "خطوة متطرّفة إلى هذا الحد".
وما هو لغز بوشنل مع غزة؟
نشأت بوشنل في مجمّع دينيّ في أورليانز بولاية ماساتشوستس في كيب كود، وفقًا لسوزان ويلكنز، 59 عامًا، التي قالت إنها كانت عضوًا في المجموعة من عام 1970 إلى عام 2005، حيث كانت تعرف بوشنل وعائلته في المجمع.
خدم بوشنل في القوات الجوية منذ أيار 2020، وكان متخصّصًا في عمليات الدفاع السيبراني مع سرب دعم الاستخبارات رقم 531 في قاعدة سان أنطونيو-لاكلاند المشتركة في تكساس.
كان لدى بوشنل ميلا للأعمال الخيرية، بحسب أحد معارفه وتدعى لوبي باربوزا (32 عاما) التي كشفت إنها التقت ببوشنيل في سان أنطونيو عام 2022 في حدث لمنظمة اشتراكيّة، ومن حينها ارتبطوا بسياساتهم، وبدأوا العمل معًا لتوصيل الملابس والطعام للأشخاص الذين يعانون من التشرد.
وأضافت باربوزا "لقد كان غاضبًا، وكان يعلم أنه لا أحد من المسؤولين يستمع إلى المتظاهرين هناك كلّ أسبوع". وأردفت "إنه يعلم أن لديه امتيازًا كرجل أبيض وعضو في الجيش."
إلى جانب ذلك، أوضح أصدقاء آخرون من سان أنطونيو إنهم تحدثوا مع بوشنيل عن الفلسطينيين ونفورهم المشترك من الدور الأمريكي من حرب إسرائيل على غزة. لكنه لم يبد لهم أي إشارة إلى ما سيحدث في واشنطن يوم الأحد.
ليس هذا فحسب، تحدث أحد أصدقائه، ويدعى ليفي بيربونت، 23 عامًا، عن مشاركتهما في الجيش وما يأملان في القيام به بعد ترك القوة. وقال بيربونت إنهما التقيا في التدريب الأساسي في مايو 2020، عندما كانا لا يزالان متحمّسين للانضمام إلى الجيش وكيف يمكن أن يساعدهما ذلك في تجربة المزيد من العالم.
ولفت بيربونت الانتباه إلى إن بوشنل أصبح يشعر بخيبة أمل تجاه الجيش بمرور الوقت - حيث كان يشعر بالقلق إزاء ما اعتبره مواقف متقلّبة تجاه العنف داخل القوة - وقال إنه غادر باعتباره رافضًا ضميريًا. وتابع بيربونت إنه بحلول عام 2024، أصبح بوشنيل أكثر صراحة بشأن اعتراضاته على الجيش، في أعقاب مقتل جورج فلويد على يد الشرطة في مينيابوليس عام 2020، حيث أخبر بوشنل بيربونت أنه بدأ البحث في تاريخ الولايات المتحدة ويريد اتخاذ موقف ضد جميع أعمال العنف التي تجيزها الدولة.
وأوضح بيربونت إن بوشنيل كان يفكر في ترك الجيش في وقت مبكر، لكنه قرر أنه كان قريبًا بما يكفي من نهاية خدمته المطلوبة للاستمرار فيها. في غداء شهر يناير، أخبر بوشنل بيربونت أنه يخطط للعثور على وظيفة تتيح له كسب ما يكفي من المال لدعم نفسه أثناء الانخراط في النشاط السياسي على الجانب.
في المحصلة، كان بوشنل يخطط لهذه النهاية المشرفة من حياته، إذ يروي أصدقاؤه أنهم رأوا بوشنل آخر مرة في يناير/كانون الثاني الماضي، في حفل رحيله في سان أنطونيو. لقد كان في حانة الكاريوكي. لقد قام بغناء أغنية تلو الأخرى، وكان الكثير منها من أغنية "البؤساء" التي كان معروفًا بحبها. وكانت إحداهما "Wind in My Hair" لماندي مور من المسلسل التلفزيوني المستوحى من فيلم "Tangled".
آنذاك غنى بوشنيل: "لقد ارتسمت ابتسامة على وجهي، وأنا أسير على الهواء".