عماد مرمل _خاصّ الأفضل نيوز
وحدهم أصحاب القلوب الطيبة افترضوا باكرًا أن مبادرة تكتل الاعتدال الوطني يمكن أن تفضي فعلا إلى انتخاب رئيس الجمهورية في هذا التوقيت الملتبس.
وحدهم المسكونون بالبراءة السياسية ظنوا أن جولات "التكتل" على القوى الداخلية ستحقق ما عجز عنه حتى الآن الموفد الفرنسي جان إيف لودريان وممثلو اللجنة الخماسية.
في المقابل، هناك من اعتبر منذ اللحظة الأولى أن المهمة التي تصدى لها "التكتل" بنيات سليمة هي أكبر من حجمه وتأثيره في لعبة التوازنات الناظمة للاستحقاق الرئاسي، وبالتالي فإن الواقعية تقتضي الإقرار بأن انتخاب رئيس الجمهورية في لبنان المقيم على فالق إقليمي - دولي متحرك، هو أصعب من أن يتم برعاية "أبو ملحم" الذي يؤدي "الاعتدال" دوره، وإنما يتطلب تسوية مركبة تترجم طبيعة المرحلة ومعادلاتها.
واذا كانت خمس دول عربية وغربية من الوزن الثقيل (السعودية، مصر، قطر، أميركا، وفرنسا) لم تتمكن بعد من حل شبكة الكلمات الرئاسية المتقاطعة، على الرغم من نفوذها المعروف على الداخل اللبناني، فإن المسعى "البلدي" لن يكون أفضل حالا، ولو يُسجل له أنه يحاول "لبننة" الاستحقاق قدر الإمكان، وسط بيئة محيطة غير مؤاتية كونها تبدو شديدة التعقيد والاشتعال، ربطا بما يجري في غزة والجنوب امتدادًا إلى ساحات أخرى في الإقليم .
ولعل الأمر الوحيد الذي انتهى إليه مسعى "التكتل"، حتى الآن، في مغامرته المتعثرة هو تأكيد المؤكد وفحواه أن لا ولادة لرئيس الجمهورية قريبًا وأن الهوة الموجودة بين القوى السياسية هي أوسع من أن يردمها "الاعتدال الوطني."
ويمكن الاستنتاج بعد انخفاض منسوب التفاؤل بنجاح مبادرة "التكتل" أن الشياطين التي كانت تسكن تفاصيلها قد تمكنت من عرقلتها عندما حانت لحظة الحقيقة وبدأ الانتقال من العموميات الرمادية إلى الجزئيات الدقيقة، سواء ما يتعلق منها بشكل التشاور المقترح ومضمونه أو بالخيط الرفيع الفاصل بين الجلسات الانتخابية المفتوحة وتلك المتتالية.
لقد حاول "التكتل" أن يُسمِع كل طرف ما يرضيه وأن يجمع الشيء وضده في توليفة واحدة، لكن كان لا بد في نهاية المطاف من أن يصل هذا المسار الهجين إلى حائط مسدود.
ومن الواضح أن الخلاف حول نمط التشاور (الذي هو "الاسم الحركي" للحوار المرفوض من قبل البعض)، وكذلك حول مفهوم الجلسات الانتخابية، إنما يعكس عدم اختمار الظرف السياسي الملائم لإنجاز التسوية الرئاسية التي عندما يأتي أوانها ستصبح كل تلك الجزئيات "هزيلة" وستذوب الفوارق المضخّمة بين التشاور والحوار أو بين الجلسات المتتالية والمفتوحة.
وحتى ذلك الحين، لا ضرر من "التمرين" الذي أجراه نواب "الاعتدال الوطني" في الوقت الضائع، فهذه "التحمية" تبقى مفيدة للمحافظة على حد أدنى من "اللياقة البدنية" لدى الكتل النيابية، باعتبار أن الرحلة إلى قصر بعبدا طويلة وتحتاج إلى نفَس طويل.
وكل مبادرة وأنتم بخير!

alafdal-news
