عبد الله قمح - خاصّ الأفضل نيوز
ما زالت كافة المصادر الدبلوماسية في بيروت، تجمع على أن تقديراتها بالنسبة إلى الجبهة الجنوبية، لا توحي بأنها مرشحة لزيادة إطار ونطاق العمليات، على الرغم من زيادة وتيرة الاستهدافات والاعتداءات من قبل العدو الإسرائيلي، الذي أخذ يصعد ضرباته لاسيما خلال اليومين الماضيين، رافعاً من الفاتورة الجسدية سواء بين المدنيين أو المقاومين، في مقابل فعل "بنسق عالٍ" من جانب المقاومة.
ولوحظ أنه خلال الساعات الـ 48 الماضية، أدت الغارات التي يشنها العدو الإسرائيلي إلى سقوط أكثر من 14 شهيداً من المدنيين في الهبارية والناقورة وطيرحرفا، وهي حصيلة لم يتم تسجيلها في يوم واحد منذ اندلاع الحرب قبل 6 أشهر، وهذا مؤشر إلى توجه لدى العدو لزيادة حجم الأذى الجسدي الناتج عن استهدافاته. وقرأت مصادر متنوعة من وراء هذا النسق الإسرائيلي، محاولة لإظهار الجدية في مسار التهديد بنقل الحرب إلى الجبهة الشمالية (لبنان) عقب قرار مجلس الأمن رقم 2728 والذي صدر منذ أيام وقضى بوقف "غير ملزم" لإطلاق النار في قطاع غزة، وشهد على أول امتناع أميركي عن التصويت، ما فسر إسرائيليًّا على أنه تغير في السياسة الأميركية، رد عليها وزير الدفاع الإسرائيلي يواف غالانت مهدداً بنقل المعركة إلى لبنان في حال حصل فعلاً وقف لإطلاق النار في غزة.
كذلك يفهم من تطور النسق لدى العدو، أنه يحاول فرض ردع في مقابل ضربات المقاومة التي أخذت تشتد، أو أنه يريد ممارسة المزيد من الضغوطات عليها مستفيداً من الأجواء السائدة ومن بينها خلافه مع إدارة البيت الأبيض.
ولو أن المقاومة في لبنان لم تسكت عن الاعتداءات الإسرائيلية، من خلال ما تبين، يوم أمس تحديداً، من اعتمادها نوعاً مختلفاً من الصواريخ التي استهدفت مستعمرة كريات شمونة وأدت إلى تدمير معمل ومقتل شخص من الجولان المحتل أثناء تواجده فيه، وقبلها من خلال استهداف معملٍ آخر لصناعة النبيذ الفاخر في مستعمرة أفيفيم، يظهر تتبع المجريات خلال الأيام المنصرمة، أن المقاومة ستتعامل وفق النسق الذي يتعامل فيه العدو. فإن وسع إطار قصفه ونطاقه ونوعيته، وسّعت المقاومة من الإطار والنطاق والنوعية، وهو ما سبق ووعد به الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في إطلالة سابقة بقوله متوجهاً للعدو "بتوسّع منوسّع"، ما يعني أن ما يحكم تطور الميدان في الوقت الحالي هو "التوازن في الرد"، ويخدم "منع انفلاش الجبهة أو فرض قواعد جديدة" ما يؤكد الرغبة في عدم الذهاب إلى نسق أشمل من الحرب.
إلى أنَّ ذلك، وعلى أهمته ورغم ما استدعاه من اهتمام من جانب "ما بقيَ" من سفراء في بيروت، لم ينذر بالنسبة إليهم بوجود احتمال توسع المعركة فعلاً نحو نطاق "كاسر للتوازن" أو مختلف عمّا جرى اعتماده خلال الستة أشهر الماضية. حيث إن المشهد العام عند الجبهة الجنوبية وعلى قسوته، أظهر وجود محاولات متبادلة من قبل الطرفين (المقاومة والعدو) لناحية تثبيت معادلات معينة أثناء القتال، إلى حد لا يوحي طرف تجاه الآخر أنه ضعيف أو يمكن لطرف ما توسيع نطاق الاستهداف من دون أن ينال رداً من قبل الآخر، ما تكرس فعلاً في أعقاب استهداف المقاومة لنطاق ومواقع مهمة في الجولان المحتل والمستعمرات الشمالية أخيراً، وما قام به العدو من استهدافات في البقاع والجنوب.
وفي هذا الصدد، رأت المصادر الدبلوماسية أن كلام غالانت وإشارته إلى احتمال "تسخين" الجبهة الشمالية، مردود أولاً إلى أجندة ذات علاقة بالولايات المتحدة، ورغبة وزير الدفاع الإسرائيلي بالضغط على الأميركيين وإزعاجهم والتلويح لهم بالتهديد من خلال الجبهة اللبنانية. حيث بنى العدو الإسرائيلي فرضية قوامها أن واشنطن مهتمة في الجبهة اللبنانية وتصرف جهوداً من أجل عدم توسع المعركة. وبالتالي فإن هذه الجبهة تحظى بأهمية، ما يعني أنها تحظى بتأثير على الأميركيين، ما يتيح للعدو ممارسة ضغوطات عبرها من شأنها أن تدفع نحو إدخال تعديلات على المزاج الأميركي أو دفع الإدارة الأميركية نحو التراجع عن مواقف تتخذها في مسألة غزة، مع الإشارة –نقلاً عن سفراء- أن الأميركيين أبدوا أمام الإسرائيليين رغبتهم بتحصين لبنان من أي توسع في إطار الجبهة.
على أي حال يبقى الوضع في الجنوب على درجة عالية من الأهمية ويأخذ مساحة من تغطية السفارات المؤثرة. وعلى الرغم من مغادرة الكثير منهم بيروت لقضاء عطلة الأعياد في بلدانهم، غير أنهم تركوا الأقنية الخاصة في السفارة مهتمة بتتبع تطورات ما يحصل في الجنوب، وإعداد التقارير، وإبقاء عواصمهم في صورة التطورات الجارية.