كمال ذبيان - خاص الأفضل نيوز
يتقدّم ملفّ النّزوح السّوري، على أيّ ملفّ آخر في لبنان، من انتخاب رئيس للجمهورية، إلى الإصلاحات السّياسيّة والاقتصاديّة، إضافة إلى المواجهات العسكريّة في الجنوبِ بين "حزبِ اللّه" والعدوِّ الإسرائيليّ.
وأزمة النّزوح السّوري، كما الحرب في الجنوب، حلّهما مرتبط بالخارج، وإن ما يحصل في لبنان، هو بسبب ما جرى في سوريا من أزمة داخليّة، بدأت بشعارات إصلاحيّة، لتصل إلى حرب كونيّة على سوريا افتعلتها أميركا ودول أخرى منها عربية، للإطاحة بالنّظام السّوري، ونقلها من "محورِ المقاومة" إلى تحالف التطبيع مع العدوِّ الإسرائيليِّ، بإقامة "سلام" معه، وإقفال طريق مد المقاومة في لبنان بالسّلاح، ومحاصرتها، لكن القيادة السورية برئاسة بشار الأسد، رفضت الشروط الأميركية والرضوخ لما حمله إليها وزير الخارجية الأسبق كولن باول بعد الغزو الأميركي للعراق مباشرةً في نيسان ٢٠٢٣، وهو السير بالمشروع الأميركي للمنطقة، من ضمن "الشرق الأوسط الكبير"، الذي كان يروّج له الرئيس الأميركي جورج بوش الابن.
منذ العام ٢٠٠٣ وقبل ذلك بدأت المؤامرة الأميركية - الإسرائيلية على سوريا، التي شهدت أحداثًا متعدّدة، لكن الحرب بدأت مع ما يسمّى "الربيع العربي" مطلع عام ٢٠١١، الذي واجهه الجيش السّوري بوحدته وإسقاطه، لأنه تلطّى به "الأخوان المسلمون"، وأتت الدول بالجماعات الإرهابية إلى سوريا، من ليبيا والعراق وروسيا والصين وأفغانستان حيث نفذت هذه المجموعات من تنظيمي"داعش" و"النّصرة" المجازر والتّدمير، ممّا تسبّب بعمليات النّزوح القسرية، الذي بدأ داخل سوريا وتوسع إلى خارجها باتجاه تركيا والأردن ولبنان الذي كان نصيبه الأكبر لصغر مساحته وعدد سكانه القليل، فبلغ عدد النّازحين نصف عدد اللبنانيّين أي نحو ٤ ملايين مواطن.
فالنّزوح السّوري كان بسبب الحرب على سوريا وفيها، ثمّ منع الدول الأوروبية عودتهم إليها، مع استثباب الأمن، وطالبت بعودة طوعية، وشجعت دول الإيواء على أن يبقوا فيها من ضمن مُساعداتٍ مالية، كان آخرها ما عرضه الاتحاد الأوروبي على لبنان وهو مبلغ مليار يورو لمنع هجرة النّازحين إلى أوروبا عبر قبرص، حيث شكلت هذه المساعدة خلافًا حولها بين اللبنانيّين، الذين يجمعون على عودة النازحين لكن يختلفون على الوسيلة التي ما زالت قائمة، وستكون أمام مجلسِ النواب، لمناقشة أزمة النازحين.
وما أعلنه الأمين العام لـ "حزبِ اللّه" السيد حسن نصر الله، بفتح البحر أمام النّازحين، كأداة ضغط على أوروبا، وأيضًا على أميركا لإلغاء قانون قيصر على سوريا، الذي ساهم في تصعيد الأزمة الاقتصاديّة، وبات النزوح اقتصاديًّا وليس أمنيًّا فقط.
فالأزمة السّوريّة لا تحلّ لبنانيًّا فقط، بل هي مرتبطة بقرار أوروبي بعودة النّازحين إلى سوريا، وإسقاط قانون قيصر، وخارج هذين الشّرطين فإنّ النّزوح قد يكون فتيلًا لإشعال فتنة سوريّة - لبنانيّة.
وتستخدم أميركا ودول أوروبية النّزوح السّوري، للحصول على تنازلات سياسيّة من النظام السّوري، الذي رفض الرضوخ للشروط الأميركيّة والأوروبية، وقد سجل انتصارات عسكريّة وسياسيّة، على الجماعات الإرهابيّة، وسبق له أن أجرى إصلاحات على الدستور، بإفساح المجال للمشاركة في السّلطة.
ولبنان سيقوم بواجبه القانوني تجاه النّازحين، ولا يمكن إنهاء الوجود السّوري فيه، لا سيّما من يعملون فيه منذ عقود في الزراعة والبناء كعمال أو أجراء في المصانع وإشغال أخرى، حيث تفرض معاهدة الأخوة والتنسيق والتعاون بين لبنان وسوريا، تطبيقها، ويقوم المجلس الأعلى اللبناني - السوري بدوره في التّواصل بين القيادتين اللبنانية والسورية، لحلِّ هذا الملفّ الذي استفاق اللّبنانيّون، لا سيما القوى السّياسيّة على خطر النّزوح السّوري، مع تزايد الجرائم المختلفة، حيث بدأت تظهر مواقف انفتاح على سوريا، من قبل أطراف، كانت على خصومة لا بل عداء مع النّظام السّوري، التي ساهمت في دعم المعارضين له، بالتّسليح والتّمويل، وتسهيل وصول ما سمّوا بـ "الثوار"، فتمَّ احتضانهم، ورفضوا عودتهم كي "لا يقتلهم النّظام"، كما كان يعلن قادة كوليد جنبلاط وسمير جعجع وغيرهما.
فالحلُّ لأزمة النّزوح السّوري، بات واضحًا، وهو السّماح لمن يريد الهجرة إلى أوروبا، أن يعبر البحر المفتوح للنّازحين، لا أن يُدفع لبقائهم في لبنان، الذي لا يمكن أن يوفّر فرص عمل لهم ومواطنوه عاطلون عن العمل، ويهاجرون منه.