مفيد سرحال - خاصّ الأفضل نيوز
لا يوجد بلد في مشارق الأرض ومغاربها يختزن قاموسه السياسي مكثفا من المصطلحات السلبية مثل بلد الـ"كم أرزة" "العاجقة الكون"، وحكامه جهابذة الإبداع في اعتناق وترويج الانصياع لثقافة "النعامة "المغروسة الرأس في رمل المِحَنِ والأزمات حيث الدروس المعمقة في العماه والتعامي والإعماء والانكشاف لأنياب الذئب، وتزيين الخديعة واستمراء اللهو في بهو اللامسؤولية والصحو المتأخر من غفلة الأحداث وغدر الزمان.
إنه بلد المزاوجة بين الشيء ونقيضه ببراعة والطلاق بحكمة وحشمة والقفز البهلواني بحرفية أبطال السيرك عبر الإطارات النارية والحبال المتدلية من أروقة ألاعيب وأحابيل الأمم.
عندما تدفق سيل إخواننا النازحين السوريين عبر الحدود الشرعية وغير الشرعية تحت وطأة نيران حرب غشوم ضروس استهدفت سوريا الدور القومي الطليعي والاقتصاد المتين المشدود لمرتكزات راسخة أمنت الرفاهية والعيش الكريم للمواطن السوري قي شتى مناحي الحياة .
في تلك اللحظة المأساوية صدحت حناجر المزايدين وتحفظ المتحفظون وإذ بالمزايدين ينقلبون ويعيدون توليف خطابهم بما يتماشى مع التحولات ومكر التاريخ بعدما فشلت المؤامرة على سوريا وصمدت الدولة الوطنية السورية بوجه أعتى موجة إرهاب مدعوم بالمال والسلاح من أكثر من ثمانين دولة لتغيير سوريا وتحويلها من مركز للقرار القومي إلى رقعة تتجاذبها الأطماع بين شمال عصملي وناهب أميركي للثروة وجنوب يتربصه الصهاينة "لتشليع" الجغرافيا السورية على قارعة أوهام وأحلام.
لقد اتهم بالعنصرية من دعا لإقامة مخيمات على الحدود مع سوريا، أما أصحاب الحمية والنخوة لإغاثة الملهوف كأفضل المعروف قالوا مساكنهم رمش العيون !!!!...حفلة زيف ونفاق تتماهى مع مقاصد الغرب الجماعي وخططه واستثماره بالنزوح لأغراض تدميرية للبنان الصيغة وأكثر من ذلك تقضي خطة الغرب بعد أن اجتاحت "الأنجؤوزية" المخيمات وامعنت في بث ثقافة هجينة وسط قاطني الخيم المعذبين، إقحام إخواننا النازحين في فضاء انحرافات في البنية الذهنية من خلال تعميق الثقافة المذهبية والقطع مع الانتماء بين الأجيال التي تفتحت أبصارها بعيدا عن الوطن وتاريخها وتراثها الوطني والقومي عبر الترويج للانموذج الغربي أي الحديث والدعوة لحقوق المواطن وإغفال حقوق الوطن لاب ل ضربها.
ولا ننسى حملات التنصير التي تقودها إرساليات غربية أوروبية وكورية وأميركية من خلال مدارس أنشئت داخل المخيمات أو خارجها لمبشرين بمسيحية مصابة بلوثة يهوه ترفضها الكنيسة أصلا لخروجها عن المنهاج المسيحي الحقيقي وينظر إليها المسلمون بعين القلق والريبة .
نعم لا زال المسؤولون اللبنانيون يهربون من حقيقة تمسك الغرب الجماعي بوجود النازحين من إخواننا السوريين في لبنان ويشيحون عيونهم عن مخاطر الخطة الغربية التي لا تخدم سيادة واستقلال لبنان ويلهون عامة الناس بافتراضات وتخرصات وخرف سياسي عقيم كمثل خوف أوروبا من اجتياحها بهذا الكم من المسلمين في ظل ضمور الولادات في الغرب وتفكك الأسر ورواج المثلية وغيرها من الأفاعيل المجافية للفطرة الإنسانية.
ولا ريب أن الأهداف الغربية خلاف ذلك تماما وهذا ما يجب أن يحفز اللبنانيين وأصحاب القرار لمصارحة الناس حيال الطبيعة الجهنمية لهذا المعطى السيادي والإقلاع عن السياسة النعاماتية المبتذلة ومصارحة الشعب اللبناني بأن الغرب وعلى رأسه أميركا أبقى هذا الملف مفتوحا على مصراعيه لزج النازحين في نزاع مذهبي مع المقاومة وبيئتها لتخفيف الضغط عن الكيان الصهيوني والدفع إلى فوضى هدامة تنتج "غيتوات" طائفية تعيد رسم الخارطة اللبنانية.
ألا يستدعي ذلك هبة رجل واحد من كل القوى ومن دون لهجة عنصرية ولسان شوفيني اتجاه إخواننا النازحين؟
أليس الغرب الجماعي من خلال قانون قيصر ونهب ثروات سوريا (غاز ونفط وقمح وقطن وتدمير المصانع والمؤسسات التجارية والمشافي) مسؤول عن محنة السوريين ونزوحهم القسري؟
أليس الأجدر بنا كلبنانيين حيال هذا الخطر الوجودي للبنان- الكيان التواصل مع الدولة الوطنية السورية التي عاد إليها العرب كل العرب من بوابة أن سقوط سوريا سيدمر العالم العربي ويحيله إلى مزق ممزقة ؟
أليس فك هذا اللغم يتم بأعلى درجات الحس الوطني بعيدا عن الخطب الرنانة وتسجيل النقاط بالسياسة ومداراة الخواطر والمصالح الآنية وتجاوز غابة التوظيفات والتنفيعات التي نشأت على حواشي هذا الملف وما اكتنفه من سمسرات وصفقات وثروات .؟
فالمليار يورو ليست للحؤول دون انزياح النازحين إلى الغرب فالمقاصد أعمق وأدهى وأخطر .
لقد نجا لبنان من كارثة حقيقية بعدما تسربت أخبار إثر مقتل المسؤول القواتي على يد سوريين من أن حملة تهجير ستطالهم من مناطق ذات لون طائفي معين ما يعني إغراق بقية المناطق لاسيما الجبل والبقاع بالآلاف وما يعني أيضا تحويل مسيحيي الأطراف إلى "فشة خلق" من المُرحَّلين السوريين قسرا من مناطق محددة، ولقد نجا لبنان من احتكاكات مدمرة كانت ستستدعي ما لا تحمد عقباه .
عندما يعرف السبب في إبقاء النازحين من إخواننا السوريين في لبنان بضغط أوروبي وقح وتدخل فظ في الشأن اللبناني يبطل العجب ويجب أن يتذكر اللبنانيون مثلا شائعا ..لا يأتينا من الغرب ما يسر القلب.