عماد مرمل - خاصّ الأفضل نيوز
مع انعقاد مؤتمر بروكسل بنسخته الثامنة حول "دعم مستقبل سوريا والمنطقة"، بتنظيم من الاتحاد الأوروبي، لا توحي المؤشرات الظاهرة بأن الأوروبيين في صدد تغيير موقفهم المعروف الرافض لعودة النازحين السوريين إلا بعد تنفيذ القرار 2254 الداعي الى تسوية سياسية شاملة للوضع في سوريا.
هذا الربط الهمايوني والتعسفي بين الحل السياسي وعودة النازحين يعني عمليا إبقاء لبنان رهينة حسابات مراكز القرار الغربية التي لا تقيم وزنا لمعاناته المتفاقمة جراء أعباء النزوح الهائلة، وتصر على الاستمرار في "تجيير" أرضه لخدمة مصالحها وفي طليعتها منع تدفق السوريين إلى سواحلها.
واذا كان الأوروبيون قد حاولوا أن يبيعوا لبنان من كيسه، عبر منحه مبلغ المليار يورو الذي يبدو متواضعًا ورمزيًا بالمقارنة مع ما تكلفته الدولة منذ عام 2011، إلا أن ردود الفعل المحلية على هذه "الرشوة" عطلت مفاعيلها السياسية، كما اتضح من التوصية النيابية التي أقرها مجلس النواب لمعالجة أزمة النزوح، ومن المواجهة الأخيرة التي حصلت بين الدولة ممثلة بوزارة الخارجية ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ما اضطر الأخيرة إلى سحب رسالتها غير اللائقة لوزارة الداخلية والتي كانت قد احتجت فيها على التدابير التي اتخذتها الوزارة للجم فوضى النزوح.
وبهذا المعنى، فإن وزير الخارجية عبدالله بوحبيب، وهو رئيس الوفد اللبناني إلى مؤتمر بروكسل، سيكون "مرسملا" خلال مهمته بإجماع وطني غير مسبوق على رفض بقاء النازحين وعلى المطالبة بمنحهم المساعدات المالية في بلادهم وليس في لبنان، الأمر الذي من شأنه أن يعزز الموقف الرسمي ويحصنه بعدما كانت القوى الغربية تستفيد من ضعفه ومن التناقصات الداخلية لفرض سياساتها وإرادتها بسهولة.
ولعل "أخبث" وأغرب ما في مؤتمر بروكسل أنه يلتئم للبحث في ملف النازحين وسط إقصاء مستمر للدولة السورية عنه، بينما يُفترض أن تكون دمشق شريكة طبيعية في رسم مستقبل هذا الملف ومساره، أقله بحكم الأمر الواقع السائد، كونها الجهة التي تسيطر على معظم الأراضي السورية بعدما فشلت جميع محاولات إسقاطها خلال سنوات الحرب.
والمستهجن أن الأوروبيين يريدون تدفيع لبنان ثمن إنكارهم للواقع وتنكرهم له، عبر إصرارهم على "حماية" وجود النازحين فيه من خلال التلويح بالعصا تارة وبالجزرة طورا، وذلك إلى أن يتحقق الحل السياسي المفصل على قياسهم في سوريا.
لكن، وضمن هذا السياق، هناك من يلفت إلى أنه إذا كانت الجهات الغربية تريد إحراج دمشق والضغط عليها حقا، فالأجدر بها أن تسهل عودة النازحين وليس العكس، لأن رجوع نحو مليوني نازح من لبنان، سيضع القيادة السورية أمام تحدٍ صعب جدا، ويتمثل في تأمين متطلبات العيش الكريم لهؤلاء وسط أزمة اقتصادية قاسية وخانقة، وبالتالي فإن منع عودتهم، كما تفعل أميركا وأوروبا، يخفف بشكل أو بآخر الأعباء عن كاهل الحكم السوري الذي لا يستطيع إلا أن يرحب بمواطنيه عندما يقررون الرجوع لكنه يحتاج إلى مساعدة ليتمكن من الإيفاء باحتياجاتهم.
ولأن مؤتمر بروكسل لن يحمل الحل الذي ينتظره اللبنانيون، تعتبر أوساط سياسية أن دمشق أقرب إلى المسؤولين اللبنانيين من اي عاصمة غربية، وأنه بدل الذهاب إلى بروكسل للتفتيش عن علاج يجب أن يبادر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الى زيارة سوريا ليناقش مع قيادتها إمكان وضع استراتيجية موحدة لمقاربة تحديات أزمة النازحين. وإذا كانت دول الخليج التي عُرفت بخصومتها مع الرئيس بشار الأسد قد فتحت أبوابها له، فإنه لم يعد مبررًا أن يبقى لبنان "مستحيا" في علاقته بدمشق خصوصا أن مصلحته العليا تقتضي حصول هذا الانفتاح.
أما إذا لم تنجح كل قواعد "اللعب النظيف" في تقليص حجم أزمة النزوح، فربما لا بد عندها من البحث جديا في فتح البحر أمام النازحين، لعل الدول الأوروبية تستفيق عندما تتجرع الكأس المرّة نفسها التي أذاقتها للبنانيين، ممزوجة هذه المرة بالمياه المالحة.