عماد مرمل -خاصّ الأفضل نيوز
يؤشر إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن شخصيًّا عن مقترح جديد لوقف إطلاق النار في غزة إلى حجم المأزق الذي يتخبط فيه الإسرائيليون والأميركيون بالشراكة بعد مرور ثمانية أشهر على العدوان الهمجي، فيما تبدو حركة حماس وكأنها قد اقتربت من ربح معركة عض الأصابع.
من حيث الشكل، كان لافتا أن يبادر الرئيس الأميركي بنفسه إلى الكشف عن محتوى المقترح الذي نسبه إلى تل أبيب. وفي المضمون بدا أن العرض الجديد يأخذ في الحسبان عددا من المطالب الأساسية لـ"حماس" بعد محاولة "المكابرة" في التعامل معها خلال الأشهر الماضية.
وبناء عليه، فإن المنحى العام للصفقة التي طرحها بايدن يعكس خضوع الإدارة الأميركية للأمر الواقع الميداني الذي فرضه الفلسطينيون في غزة بفضل صمودهم، واقتناعها بأن القضاء على "حماس" كما يريد نتنياهو ليس ممكنا وأن شعار تحقيق النصر المطلق غير قابل للتنفيذ وفق ما أقر به بايدن في خطابه الأخير.
ومن هنا، حانت بالنسبة إلى واشنطن، المعروفة ببراغماتيتها، لحظة وقف الحرب التي بات استمرارها يهدد بترك تداعيات سلبية على بايدن في الانتخابات الرئاسية وسط التحول المستجد على مزاج جزء واسع من المجتمع الأميركي حيال القضية الفلسطينية، تبعا لما عكسته التظاهرات الطالبية.
والأرجح أن خضوع نتنياهو نفسه لهذه الحقائق سيكون مسألة وقت ليس إلا، مهما رفع سقفه الآخذ في الاهتراء والتفسخ، وحاول الهروب إلى الامام لتأجيل استحقاق تجرع "الكأس المرة."
وبمعزل عن سبب محاولة قادة العدو التنكر للمقترح المعلن قبل صياح الديك، وبمعزل عما إذا كان هذا المقترح، الملتبس النسَب، قد خرج من مجلس الحرب الإسرائيلي قبل أن يتلقفه بايدن أم لا، فإن الأكيد أن الرئيس الأميركي أراد عبر إماطة اللثام عنه وكشفه على الملأ أن يحرج نتنياهو ويضغط عليه لإلزامه بالقبول به رسميا.
ويبدو واضحا من ردود أفعال المسؤولين في كيان العدو أن الحجر الذي رماه بايدن في المياه الإسرائيلية الآسنة لم يحركها وحسب، بل أحدث حالة من الإرباك والتخبط في صفوف الوسط السياسي الذي توزع بين رافض بشدة لمشروع الصفقة المقترحة كما فعل اليمين المتطرف، وتجاوب معها في مجلس الحرب والمعارضة، بينما يبدو نتنياهو مترنحا بين المطرقة والسندان وهو الذي يعرف بأن لكل من خيار القبول والرفض كلفته عليه.
أما "حماس" التي تعاطت بذكاء وواقعية مع المقترح المصري - القطري السابق عندما أعربت عن قبولها به وأظهرت للوسطاء حقيقة النيات الإسرائيلية السيئة حياله، فهي تصرفت بمزيج من الحنكة والحكمة هذه المرة أيضا حين بادرت إلى إبداء مرونة لافتة بتأكيدها أن الأفكار التي طرحها بايدن إيجابية -وإن تكن ليست كافية -للتوصل إلى اتفاق شامل ومتكامل، الأمر الذي وضع نتنياهو مجددا في "بوز" المدفع وزاد الضغوط عليه، في اعتبار أن مصير العرض المقترح بات معلقا على موقفه النهائي.
وإذا كانت تفاصيل المقترح الجديد ستحتاج إلى "تمشيط سياسي" خلال التفاوض لطرد الشياطين الإسرائيلية التي تختبئ فيها، فإن المحك الأهم بالنسبة إلى المقاومة الفلسطينية يكمن في إزالة أي التباس مفخخ يمكن أن يحيط بمسألة الوقف الدائم لإطلاق النار والذي لا يزال نتنياهو يمتنع عن التسليم به، محاولا التشاطر على هذا المطلب من خلال المناورات التفاوضية والاحتفاظ بحق استئناف الحرب لاحقا بعدما يكون قد استعاد أسراه، فيما تصر "حماس" وباقي الفصائل على أن يكون هناك وضوح تام في الجانب المتصل بإنهاء العدوان.
وعلى قاعدة "التوأمة" بين جبهتي لبنان وفلسطين، فإن أي تهدئة في غزة ستنسحب تلقائيا على الجنوب حيث سيوقف حزب الله عملياته تلقائيا إلا إذا قرر العدو الإسرائيلي مواصلة اعتداءاته.
ووفق التقديرات، فإن الأميركيين سيسارعون إلى التقاط فرصة التهدئة، متى سنحت، لتفعيل حراكهم بين بيروت وتل أبيب بواسطة موفدهم آموس هوكشتاين سعيا إلى ترتيب اتفاق حول مستقبل الوضع على الحدود، علما أن حزب الله يربط مثل هذا الاتفاق بانتهاء العدوان كليا على غزة وليس بهدنة مرحلية.