طارق ترشيشي - خاص الأفضل نيوز
فيما كان المبعوث الرئاسي الأميركي عاموس هوكشتاين ينقل رسائل إسرائيل المشفّرة المتضمّنة التوعد للبنان بالويل والثبور وعظائم الأمور إن لم يوقف حزب الله حرب الإسناد والاستنزاف التي يخوضها ضدها على الجبهة الجنوبية لكي توقف حربها التدميرية على قطاع غزة، كان الحزب في المقابل يبث على الهواء مباشرة رسائل مسيرة "الهدهد 3" غير المشفرة أيضًا والتي تكشف بالعين المجردة وبالتفاصيل المملة كل المواقع المدنية والعسكرية الإسرائيليّة الحساسة وغيرها في حيفا وجوارها بكل ما تحتويه من مخزون حربي وعسكري وأمنيّ واقتصادي بحيث بدأت أمام الناظر إليها واضحة كراحة الكفين.
وإذا كانت رسائل هوكشتاين تضمنت تهديدًا بـ "القضاء على الحزب" وضرب لبنان وتدميره وفق التوصيف الذي ذهب إليه وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس، إذا لم يوقف الحرب ويتراجع إلى شمال الليطاني متيحاً لسكان المستوطنات الشمالية النازحين العودة إلى بيوتهم، فإن حزب الله في المقابل قال لإسرائيل من خلال رسائل "الهدهد المسير" ما معناه: "هذه عينة من بنك أهدافي عندك في الحرب التي تهدديني بها وأنت تعلمين أني أستعدّ لها منذ انتهاء حرب تموز 2006، حيث أن وعيدك وتهديدك بها لم ينقطع يوماً".
أكثر من ذلك جاء هوكشتاين ليتذاكى ويطلب من حزب الله، عبر ثنائي رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، أن يتدخل لدى حركة "حماس" لإقناعها بقبول مبادرة الرئيس الأميركي جو بايدن لوقف إطلاق النار وإنهاء الحرب في غزة مما يوقف في هذه الحال إطلاق النار في الجنوب ويمهّد للبحث في تنفيذ القرار الدولي 1701 الذي يشكل موضوع وساطة هوكشتاين الثانية بين لبنان وإسرائيل بعد وساطته السابقة التي أنتجت ترسيم الحدود البحرية أواخر العام 2022 قبيل انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون.
لكن المسؤولين اللبنانيين وحزب الله سخروا ممّا طلبه هوكشتاين مستغربين كيف أن الولايات المتحدة الأميركية تطلب توسطهم لدى "حماس" لتقبل بمبادرة بايدن، فيما المفاوضات "شغالة" في الدوحة وخارجها بين الديبلوماسيين الأميركيين والمصريين والقطريين وبين قيادة حماس المقيمة في الدوحة أو في القاهرة، خصوصًا وأن الجانبين القطري والمصري يلعبان دور الوسيط لدى حماس بتكليف أميركي.
وبدا واضحًا أن هوكشتاين أراد من طلبه إقناع الجانب اللبناني بأنّ "تعنّت" حماس هو ما يؤخر وقف الحرب على غزة، وبالتالي يبقي الجبهة الجنوبية اللبنانية مفتوحة مما سيدفع إسرائيل إلى شن حرب تدميرية واسعة النطاق ضد لبنان الذي عليه أن يتلافاها بالتدخل لدى "حماس" لإقناعها بقبول مبادرة بايدن بعدما عجزت واشنطن ومعها القاهرة والدوحة عن ذلك، علمًا أن حماس ترفضها لأنها تعتبر "مبادرة إسرائيليّةً كتبها بايدن بخط يده"، بدليل أن التركيز الدائم منذ طرحها على أن إسرائيل "قبلت" بها وأن "حماس" ترفضها فمن الطبيعي أن تقبلها إسرائيل لأنها تلبي مطالبها، ومن الطبيعي في المقابل أن ترفضها حماس لأنها لا تلبي مطالبها سواء في تحقيق وقف دائم ومستدام لإطلاق النار والانسحاب الإسرائيلي الكامل من قطاع غزة وإقرار حق الفلسطينيين بإقامة دولتهم المستقلة سواء بصيغة "حل الدولتين" أو غيرها.
على أن الرسالة التي أراد حزب الله توجيهها إلى إسرائيل عبر هوكشتاين، مفادها الآتي: "إذا كنتِ تريدين الحرب أنا جاهز لخوضها وها هو بنك أهدافي الذي حدّدته من خلال أجنحة "هدهد" التي صالت وجالت في أجواء حيفا وكل الشمال الإسرائيلي وعادت إليّ بما لا رأته عين ولا سمعت به أذن من قبل".
على أنه في الوقت الذي كانت "سكاي نيوز" تنقل عن هوكشتاين بعد 24 ساعة من مغادرته لبنان إلى إسرائيل من دون أن تعرف وجهته بعدها، أن "محاولات تسوية الوضع في شمال إسرائيل باءت بالفشل".
فيما نقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن "مسؤول سياسي كبير" قوله في المقابل: "إذا واصل حزب الله مهاجمتنا فإن جنوب لبنان سيبدو مثل غزة ولا حصانة لبيروت"، مؤكدًا أن "العدّ التنازلي لردّنا القوي بدأ ولن يوقفه إلّا قبول حزب الله عرض المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين".
"خطاب الحرب"
وفي هذه الأثناء كان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله يلقي "خطاب الحرب" معلنًا الاستعداد لها عدة وعديداً، ما طرح السؤال: هل أن هذه الحرب التي تهدّد بها إسرائيل ستقع فعلًا أم سيبقى الأمر مجرّد تهويل بتهويل يمارسه المسؤولون الإسرائيليون لأن تل أبيب مردوعة ولكنها تكابر ولا تريد الاعتراف بعجزها عن مواجهة حزب الله في ضوء ما ذاقته منه في حرب تموز 2006 ولا تزال تجر أذيال الهزيمة التي مُنيت بها والتي تشبه إلى حد كبير الهزيمة التي تمنى بها حتى الآن "بالتقسيط " في غزة والتي ستكتمل فصولًا فور توقف إطلاق النار من القطاع الذي تدمّر فيه البشر والحجر منذ اليوم التالي لطوفان الأقصى في 7 تشرين الأول الماضي.
ويقول الذين تتبعوا وقائع خطاب السيد نصرالله وأسقطوا مضمونه على الواقع في ضوء حملة التهديد والوعيد التي تشنّها إسرائيل هذه الأيام على نحو يوحي وكأنها باشرت الحرب أو أنها على وشك شنّها تحت جناح المواجهات على الجبهة الجنوبية أنه تحدث بلغة المتمكن والواثق بقدرته على خوض الحرب إن بادرت إسرائيل إليها قائلًا: "إذا فرضت الحرب على لبنان ستخوضها المقاومة بلا قواعد ولا ضوابط وأن الولايات المتحدة الأمريكية تعرف تداعياتها على المنطقة وليس على لبنان فقط".
مكررا "أن اقتحام الجليل لا زال حاضرًا ولا مكان في الكيان لمنأى عن صواريخنا الدقيقة" وقال أن هذه أعظم معركة تخوضها الأمة منذ عام العام 1948 ولها أفق واضح، وستغيّر وجه المنطقة وستصنع مستقبلها". مشيرًا إلى "أن إسرائيل فشلت في معركة ما بين الحروب في سوريا وقال إن ما يجب أن يصل (من سلاح للمقاومة) إلى لبنان قد وصل ".
ومؤكدًا "أن لدى المقاومة القدرة البشرية الكافية المتحفزة التي تجاوزت المئة ألف مقاتل".
طوفان سياسي
وإذ يقول البعض أن حزب الله وكل حركات المقاومة الداعمة لحركة "حماس" وأخواتها يختزلون الوضع في غزة بقولهم أنهم مستعدون لوقف النار ضد إسرائيل إذا هي أوقفتها غير مبالين بما حل بالقطاع وبالقضية الفلسطينية" وترد أوساط في محور المقاومة قائلة: "إن مجرد توقف إسرائيل عن إطلاق النار في غزة ستجد نفسها أمام "طوفان أقصى جديد ولكنه سيكون طوفانًا سياسيًّا وأمنيًّا وعسكريًّا سيزلزل المجتمع الإسرائيلي ويحمل نتنياهو وحكومته إلى البحر، بل أنه قد يطيح بالكيان الإسرائيلي الذي قال أحد مؤسّسيه ديفيد بن غورين يومًا: "أن إسرائيل تسقط بعد أول هزيمة تتلقاها".