طارق ترشيشي- خاصّ الأفضل نيوز
تجمع الأوساط السياسية المهتمة على أن التهديدات الإسرائيلية بشن حرب واسعة النطاق على لبنان لا تعدو كونها حتى الآن تهديدا لأن المعطيات الواقعية والميدانية تدل في وضوح إلى عجز تل أبيب عن شن مثل هذه الحرب وهي التي ما تعودت منذ نشوء كيانها عام 1948 أن تخوض حربا مضى عليها أكثر من ثمانية أشهر حتى الآن في قطاع غزة وعلى الجبهة الجنوبية اللبنانية فأطول حرب خاضتها في تاريخ النزاع العربي ـ الإسرائيلي كانت في تموز 2006 ضد المقاومة في لبنان ودامت 33 يومًا.
فإسرائيل العاجزة عن شن هذه الحرب، يقول متابعون، إنما تهدد بها لتخفيف المقاومة ومن خلفها والرأي العام اللبناني- الفلسطيني والعربي فيما هي في الحقيقة تعيش خوفًا حقيقيًا على الوجود والمصير لأن هيبتها التي سقطت في عملية "طوفان الاقصى"وما تلاها إلى الآن، بات من الصعب عليها أن تستعيدها وإن حاولت وأوغلت أكثر في الحروب سعيًا لهذا الهدف فإنها ستتورط أكثر وتخسر أكثر بما قد يعجل في سقوطها.
ويقول ديبلوماسيون خبراء في الموقف الأميركي أن نتنياهو سينتظر قبل التفكير في شن أي حرب لحرصه على أن لا يقوم بأي تصرف من شأنه أن يؤثر سلبا على حظوظ حليفه المرشح الجمهوري دونالد ترامب في الانتخابات الأميركية في 5 تشرين الثاني المقبل، حيث إنه يعتقد أن الرئيس الأميركي السابق عائد إلى البيت الأبيض ومعه كل الفريق الذي يدعم إسرائيل ومشاريعها ومخططاتها في المنطقة. ولذلك فإن "الانتصار" الذي يطمح نتنياهو إليه الآن إنما يقاس في الحرب التي يخوضها ضد إدارة الرئيس جو بايدن وليس في الحرب التي يخوضها ضد حركة "حماس" وأخواتها في فلسطين وضد حزب الله على الجبهة الجنوبية اللبنانية. ذلك أن طموحه هو أن تؤدي المعركة ضد بايدن إلى سقوط الأخير في السباق الرئسي أمام ترامب. ولكن في هذا الوقت يعمل بايدن بوسائل عدة لإسقاط نتنياهو وحكومته من دون أن يؤدي ذلك إلى خسرانه أصوات اليهود الأميركيين في الانتخابات الذين سيرضيهم بإظهار استمرار الدعم لإسرائيل محاولًا الفصل بين هذا الأمر وبين خلافه مع نتنياهو.
وفي هذا السياق دفع بايدن حليفيه الوزيرين بيني غانتس وغادي ايزنكوت إلى الاستقالة من حكومة الحرب متوقعًا أن تزلزل هذه الاستقالة حكومة نتنياهو وتسقطها، فرد الأخير بحل "حكومة الحرب" من دون أن تتأثر حكومته الأصلية. كما أن تعويل بايدن على دور لوزير الدفاع يوآف غالانت لهذه الغاية لم يكن في محله لأن غالانت لم يقبل أن يدير ظهره لنتنياهو وهو كان في بداية معركة "الطوفان" أول الداعين إلى شن حرب واسعة النطاق على المقاومة في لبنان، ولكن نتنياهو خالفه الرأي يومها.
وفي ضوء كل هذه المعطيات، إلى معطيات أخرى، سيذهب رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى الكونغرس الأميركي في 24 تموز ليدلي بشهادة يخطط لها أن تكون مزلزلة لبايدن وحملته الانتخابية بما يضعفه أمام ترامب، وذلك على غرار ما فعله بشهادة مماثلة أيام الرئيس باراك أوباما ضد الاتفاق النووي الذي هندسه بايدن يومها مع إيران، والتي حملت ترامب لاحقًا عند توليه الرئاسة الأميركية إلى إخراج أميركا، من هذا الاتفاق.
على أن نتنياهو يمنن النفس بأنه عند عودة ترامب إلى البيت الأبيض سيضمن لنفسه البقاء رئيسا للحكومة الإسرائيلية لأربع سنوات بلا منازع، الأمر الذي سيمكنه من رفع سيف المحاسبة المسلط عليه سواء في ملفات "طوفان الأقصى" أو في ملفات الفساد التي كان يلاحق بها قضائيا ولا يزال منذ قبل " الطوفان" وهي تهدد مستقبله الشخصي والسياسي في الدولة العبرية. ولذلك، يقول المتابعون، أن نتنياهو لن يقدم على توسيع الحرب طالما أنه يشعر بأن الوضع الانتخابي والسياسي في الولايات المتحدة الأميركية يسير لمصلحة حليفه ترامب. إلا أنه في انتظار ذلك سيستمر في خوض "حرب بين الحروب" بحيث إنه قد يرفع من مستوى الاغتيالات التي يرتكبها ضد قيادات في المقاومة في غزة كما في لبنان لعله يتمكن من أن يستبدل بها "الحرب المدمرة" التي يهدد بها ويخشى من عواقبها.
ومن هنا يظهر أن "حرب نتنياهو الحقيقية هي في واشنطن وليست في مخيم عين الحلوة"، إذا جاء التعبير، في الوقت الذي تظهر استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة الأميركية تراجع بايدن وهو ما عكسته المناظرة الأولى بينه وبين ترامب في الوقت الذي أظهرت الاستطلاعات أن الجيل الأميركي من عمر 30 عاما لن ينتخبه وكذلك الجالية العربية والإسلامية التي تشكل نسبة 7% من ولاية ميشيغن ونسبة أقل في ولايات أخرى، حيث إن هذه الجالية لن تنتخبه، كما لن تنتخب ترامب أيضًا، بسبب مواقفهما الداعمة لإسرائيل في حربها على قطاع غزة ولبنان. علمًا أن العارفين بالشأن الانتخابي الأميركي يقولون إن بايدن تحديدا إذا خسر الأصوات العربية في ميشيغن سينتهي عندها السباق الرئاسي الأميركي لمصلحة خصمه ترامب.

alafdal-news
