عماد مرمل - خاصّ الأفضل نيوز
وسط استمرار المواجهة العسكرية بين حزب الله والعدو الإسرائيليّ على الجبهة الجنوبية مع فلسطين المحتلة، قررت جامعة الدول العربية إلغاء قرار كانت قد اتخذته عام 2016 بتصنيف حزب الله منظمة إرهابية، وهو ما أبلغه الأمين العام المساعد للجامعة حسام زكي إلى رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد مباشرة، خلال زيارته لبيروت قبل أيام.
وتراجع الجامعة عن اعتبار الحزب إرهابيًّا، في هذا التوقيت بالذات، يفتح الباب أمام تأويلات وتفسيرات كثيرة ومتباينة، بدأت تضج بها المنابر الإعلامية والسياسية، ولكن ما يبدو أكيدًا هو أن هذا الموقف الجديد ينطوي بدلالاته ومآلاته على أهمية استثنائية.
صحيح أن الجامعة فقدت عبر السنوات الكثير من فعاليتها ووزنها حتى باتت مادة للتندر أحيانًا، إلا أن ذلك لا ينفي أن لها رمزيتها كوعاء عربي، وأن ما يصدر عنها سواء كان سلبيًّا أم إيجابيًّا يعكس اتجاهات أعضائها وأمزجتهم السياسية.
من هنا، فإن تقاطع مكونات الجامعة عند الاتفاق على نزع صفة الإرهاب عن حزب الله يحمل رسالة بليغة، تحمل بين سطورها الآتي:
_ العودة إلى الواقعية السياسية بعد مرحلة من الجنوح نحو خيارات حادة أثبتت عدم جدواها.
_ الاعتراف بالحزب كرقم صعب في المعادلتين اللبنانية والإقليمية لا يمكن تجاوزه.
_ تثبيت مسار الانفتاح العربي عمومًا، والسعودي خصوصًا، على إيران وترجمته بأشكال عدة، من بينها إعادة مد الجسور مع حليفها الاستراتيجي في لبنان.
_ استكمال خطوة إعادة سوريا إلى صفوف الجامعة، وإذا كان تصنيف الحزب إرهابيًّا قد استند في أحد أسبابه إلى مشاركته في الحرب السورية فإن هذا العامل لم تعد له قيمة ما دام أن معظم الدول العربية التي كانت على عداء مع الرئيس بشار الأسد قد استأنفت علاقتها الدبلوماسية به.
_ انتزاع دور سياسي للجامعة أكثر تأثيرًا من خلال عودة التواصل مع الحزب، في حين أن مقاطعته كانت تقلص كثيرًا هامش هذا الدور.
_ توجيه رسالة إلى الكيان الإسرائيليِّ الذي فقد "وهرته" بعد 7 أوكتوبر، بأن الدول العربية ومن بينها المطبّعة معه، لها حسابات ومصالح استوجبت الانفتاح على الحزب، وأن تل أبيب يجب أن لا تفترض سلفًا بأن الموقف العربي في جيبها إذا أرادت شنَّ حرب شاملة على لبنان.
_ التمهيد لترسيم جديد لوضع المنطقة التي تمر حاليًّا في مخاض مفصلي.
وإلى حين اتضاح جميع أبعاد التحول العربي الرسمي حيال الحزب، كان لافتًا أن بعض القوى والشخصيات اللبنانية أصيبت بالصدمة جرّاء هذا التحول وراحت تهاجم الجامعة العربية بعدما كانت تروج حتى الأمس القريب لضرورة أن يكون لبنان والحزب متصالحين مع النظام الرسمي العربي الذي تمثله الجامعة.
لكن، وما أن عدّل هذا النظام مقاربته نحو الحزب حتى راح "العروبيّون الجدد" في لبنان يصوّبون عليه، في إصرار على مواصلة سياسة إنكار الواقع والحقائق التي غالبًا ما يدفع هؤلاء ثمنها من كيسهم كما أثبتت التجارب.
والمفارقة، أنه وبالترافق مع عدول الجامعة العربية عن توصيف حزب الله بالإرهابي، كان البطريرك الماروني بشارة الراعي يعتبر أن "الرئيس المقبل للجمهورية يجب أن يُعنى بألّا يعود لبنان منطلقًا لأعمال إرهابيّة تزعزع أمن المنطقة واستقرارها، وبالتالي بدخول لبنان نظام الحياد"، ما ترك أصداء سلبية جدًّا لدى قيادة الحزب وبيئته اللذين فاجأهما أن يدلي البطريرك بهذا الطرح فيما المواجهة مستمرة ضدَّ العدوِّ الإسرائيلي، من دون أن تراعي بكركي حساسية هذه اللّحظة ومقتضياتها.