نبيه البرجي - خاص الأفضل نيوز
آخذًا بقول برنارد لويس، المستشرق الأميركي، البريطاني الأصل، "الشرق الأوسط عربة عتيقة تجرها آلهة مجنونة"، يرى دونالد ترامب أن اللغة المثالية للتعامل مع هذه المنطقة هي لغة المجانين. لا بأس بلغة المهرج أو بلغة البهلوان.
الثابت أن الرئيس السابق ـ الرئيس العتيد على الأرجح ـ أصيب بالصدمة من الأداء الرديء للجنرالات في إسرائيل أثناء الحرب في غزة، بعدما كان يظن أنها لن تستغرق أكثر من أسابيع قليلة، لتكون البوابة الاحتفالية لاستكمال دومينو التطبيع. مثلما الوضع بات أكثر تعقيداً، بات أكثر هشاشة أيضاً.
هذا ما يدعونا إلى استعادة ما قاله جورج بولتون، حين كان مستشاراً للأمن القومي، من أن تغيير قواعد اللعبة في الشرق الأوسط لا يمكن أن يتحقق إلا بـ"القنبلة المجنونة" أي بالجراحة النووية. وكان كبار المعلّقين قد كتبوا آنذاك "كان الأحرى إرسال بولتون إلى المصح العقلي لا الإتيان به إلى البيت الأبيض".
حتى وزير خارجيته مايك بومبيو قال له "هذا الرجل، إن بقي في مكانه فقد يدفع بأميركا إلى الانتحار". وكان أن وضع في حاوية للقمامة نقلته إلى منزله.
هذا لا يعني أن ترامب لم يفكر، عام 2017، باستخدام القنبلة النووية ضد كوريا الشمالية، ليفاجئ العالم بلقائه مع كيم جونغ ـ أون، ولتتحدث "النيويورك تايمز" عن "رقصة التانغو بين رجلين من كوكب آخر...".
قبل ذلك اللقاء حدث ذلك الشيء الذي أثار ذهول الأوساط السياسية، والإعلامية، في العالم حين أعلن الجنرال جون هايتن، قائد القوات الاستراتيجية، والمسؤول عن الغرفة النووية، وأمام الملأ، بأنه لن ينفذ أمراً غير قانوني، ولو كان الآمر رئيس الولايات المتحدة، بالصلاحيات الملكية. والواقع أنه ما من سلطة قانونية، أو دستورية، تمنع الرئيس من اللجوء إلى ٦الخيار النووي. القيد الوحيد في وجهه أن أفراد الجيش ملزمون برفض تنفيذ أي أمر ينتهك قانون الحرب.
مشكلتنا، كعرب عاربة، أو كعرب مستعربة، أن المرشح الجمهوري شديد الافتتان بشخصية بنيامين نتنياهو، وإلى حد الدعم الأعمى له، دون أن يهزه مرأى 40000 جثة، بينها جثث آلاف الأطفال، ملقاة في العراء، أو تحت الأنقاض، في غزة، بل أنه هدّد حركة "حماس" بالأهوال (أكثر من أهوال كل يوم ؟) إذا لم تطلق، في الحال، الرهائن دون قيد أو شرط. والواقع، ماذا يمكن أن يفعل أكثر مما فعله هولاكو القرن...؟
على كلٍّ، فإنّ الإسرائيليين وحدهم، دون شعوب العالم، من يهلّلون لعودة ترامب.
الأوروبيون يتوجسون من أن يزداد غطرسة، وفظاظة، في التعاطي معهم كحلفاء. وهو الذي يبدو أنه يريد أن يحدث انقلاباً في النظرة الأميركية العى السياسات الخاصة بالبقاء على رأس الكرة الأرضية.
ترامب يعتقد أن الوسيلة المثلى لاحتواء الصين، وإعادة التنين إلى داخل السور العظيم، يقتضي التعاون مع الروس (الدببة القطبية) التي تلتف، جغرافيًّا، حول الصين بحدود طولها 4200 متر، وكون الصين قد تتطلع، يوماً ما، للاستيلاء على سيبريا (13.1 مليون كيلومتر مربع)، وهي بمثابة القارة السادسة.
نتنياهو الذي خرج، غداة عملية "طوفان الأقصى"، بشعار "تغيير الشرق الأوسط"، يعتقد أن هذا ماسيفعله دونالد ترامب، بدءأ بقطع ما يعتبرونه "رأس الأفعى"، أي ايران، ما يؤدي إلى "تحويل حظيرة الثيران إلى حظيرة للأرانب"، بحسب "فوكس نيوز".
هذا لا يمكن أن يتم إلا بالضربة النووية.
مسألة في منتهى التعقيد ليس لأن البنتاغون يرفض، بصورة قاطعة، الغرق في تضاريس الشرق الأوسط وإنما لأن تقارير وكالة الاستخبارات المركزية تؤكد أن الإيرانيين أقاموا مختبراتهم النووية داخل الجبال، ودون أن تتأثر بأي ضربة عسكرية أياً كان نوعها.
في هذا الوقت صرح أنتوني بلينكن ان باستطاعة إيران إنتاج مواد انشطارية لصناعة قنبلة نووية في غضون أسبوع أو أسبوعين.
في هذه الحال، هل تستطيع إسرائيل أن تتحمل عبء قنبلة نووية واحدة لا تصل إليها بواسطة الصواريخ، وإنما بوسائل أخرى.
لن يرى الإسرائيليّون القنبلة تحت عمامة آية الله خامنئي، وإنما في شقة وسط تل أبيب.
بالنسبة إلينا، كلبنانيين، اللعبة أكبر منا بكثير.
لبنان داخل تلك "الحالة"، لا رئيس جمهورية، وربما لا جمهورية، قبل أن تنتهي هذه اللعبة. لا بأس أن نرى حجارة الشطرنج تتراقص على الشاشات.
نوع آخر من... الرّسوم المتحرّكة!