كريستال النوّار - خاصّ الأفضل نيوز
"الألوان، مثل الملامح... تتبع تغيّرات المشاعر"، قالها الفنان بابلو بيكاسو ذات مرة. فالألوان تؤثّر بشكلٍ كبير على الحالة المزاجيّة والمشاعر والعواطف، لذلك عادةً ما يتمّ اللجوء إليها من قِبل الاختصاصيين في الديكور لخلق أجواء مُريحة في غرف المنازل.
وفي لبنان تحديداً، وسط كلّ ما نعيشه، نحن بأمسّ الحاجة إلى الألوان في حياتنا لكسر جمود السّواد الذي يُخيّم على كلّ التفاصيل اليوميّة المليئة بالهموم والقلق والتوتّر. هذا ما تُحاول فعله المُخرجة الإبداعيّة ماريلين حدّاد، التي أطلقت مشروعاً يُساهم في نفض الغبار عن بعض بيوت بيروت المُدمّرة لتزرع فيها الألوان والفرح الضّائع.
وعن هذا المشروع، تقول ماريلين حدّاد في حديثٍ لموقع "الأفضل نيوز": "عندما طرحتُ المشروع، لم يُشجّعني أحد لكنّني أصرّيت على تنفيذه انطلاقاً من إيماني به وبتأثيره الإيجابي الذي سيُفيد النّاس".
وتُتابع: "أحبّ إعادة زرع الحياة في البيوت القديمة، والفنّ من أكثر الأمور التي تستهويني، أمّا قصّة هذا المشروع فبدأت حين قرّرتُ أن أفتح متجري الخاص فبدأتُ بالعمل عليه من الصّفر وصمّمتُه كما أريد، لأنطلق بعدها إلى اختيار بعض المنازل، منها ما تضرّر في انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب، وتجديدها مجّاناً.
وهنا تلقيتُ العديد من الأصداء الإيجابيّة، كما أنّ أصدقائي شجّعوني على الفكرة، وطلبوا منّي إعادة نفض بيوتهم أيضاً".
بالإضافة إلى ذلك، تُشدّد ماريلين على قدرة النّساء على التّغيير الإيجابي، قائلةً: "في لبنان وفي العالم العربي، اعتدنا كنساء أن نتّصل بعمّال لإصلاح أيّ شيء يتضرّر في المنزل، من دون أن نُحاول حلّه بأنفسنا مع العلم أنّ بعض الأمور تكون بسيطة ويُمكننا أن نُفكّر بحلّها. وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ بعض الأعمال في العالم العربي المطبوع بالذكوريّة، خاصّة بالرّجال رغم أنّ النّساء لديهنّ القدرة الكافية والمميّزة أحياناً لإنجازها".
وتوضح: "أحاول دائماً أن أسلّط الضوء على قدراتنا كنساء شابّات قادرات على إنشاء أعمال غالباً ما يمتهنها الرجال، مثل "الطّرش" أو الطلاء وإعادة الإعمار، خصوصاً أنّ الأفكار الذكوريّة تكون سائدة عند الحديث عن هكذا مهن".
كما نلفت إلى أهمية الألوان والتّجديد في ديكور الغرف والمنازل، ونسلّط الضّوء على العلاقة القوية بين الألوان والمشاعر البشريّة، وتُعرف هذه العلاقة باسم "علم نفس الألوان"، حيث يمكن أن تؤثّر على حالتنا المزاجيّة بطرقٍ مختلفة.
فالألوان الدافئة مثل الأحمر والبرتقالي والأصفر، يُمكن أن تُثير المشاعر الإيجابيّة مثل السعادة والتفاؤل والطّاقة والحماس. أمّا الألوان الباردة مثل الأخضر والأزرق والأرجواني فهي قادرة على إثارة مشاعر الهدوء والاسترخاء. وهناك أيضاً الألوان المُحايدة كالأبيض والأسود والرّمادي، تلعب دوراً في إثارة المشاعر المُتوازنة مثل الانسجام والاتّزان، على سبيل المثال، الغرفة الملوّنة بالأحمر يُمكن أن تجعلك تشعر بالطّاقة والحماس، بينما تُثير الغرفة الملوّنة بالأزرق مشاعر الراحة والاسترخاء لديك، وتُساعدك على خلق جوّ مُريح.
كذلك يُمكن للألوان الباردة إذا استُخدمت في غرفة المعيشة أو المكتب، أن تخلق نوعاً من التركيز والتّحفيز.
هذا من ناحية تأثير الألوان على الحالة النفسيّة، أمّا لجهة تجديد المنازل المُدمّرة مثلاً، فتُشير ماريلين حدّاد إلى أنّ "هذا المشروع يُساهم في تثبيت الناس في أرضهم، وعودة البعض من الذين هاجروا وفقدوا الأمل بهذا البلد"، قائلةً: "لم تكن صديقتي مصمّمة على العودة من إسبانيا، فكلّ الأخبار التي كانت تسمعها عن الوضع سلبيّة ولا تُشجّع على البدء بأيّ مشروع، لكنّها بعد أن علمت بما قمتُ به، اتّخذت قرارها وعادت مجدّداً".
يُمكن استخلاص عِبرة مهمّة جدًّا من تجربة هذه الشابّة، وهي أنّ اللون الذي تفرضه عليك الحياة ليس أبديًّا ولديك القدرة على تغييره كما تُريد لتخلق لونك الخاص. هذا ما نحن بحاجة إليه في لبنان، وخصوصاً في صفوف الشّباب الذين لا يرون أيّ مستقبل لهم في هذا البلد.