كريستال النوار - خاصّ الأفضل نيوز
في تصنيفٍ دوليّ صدر حديثاً عن World Population Review، سجّل لبنان أعلى معدلات التدخين في العالم العربي واحتلّ المرتبة الثانية في نسب التدخين، إذ يشكّل المدخنون 34.1 في المئة من إجمالي السكان، وفق التقرير. هذا الرّقم يستدعي الوقوف عنده بكلّ جديّة وطرح السؤال الآتي: هل هذه النسبة مجرّد إحصاء أم بوابة لشرحٍ أوسع عن تحوّلاتٍ صحيّة خطيرة تشهدها البلاد؟
ليس التدخين وحده في الصّورة. إذ نشرت مجلّة "لانسيت" العلميّة أنّ حالات الإصابة بالسّرطان والوفيات المُرتبطة به في جزءٍ كبيرٍ من العالم آخذة بالارتفاع، خصوصاً في دول متوسّطة الدخل، ولا شكّ أنّ لبنان من بينها.
في الوقت نفسه، سجّلت تحليلات Global Burden of Disease المنشورة عبر مجلّة Lancet وغيرها، ارتفاعاً كبيراً في معدّلات السّرطان في لبنان خلال العقود الأخيرة، حتى وُصف ارتفاع الوفيات والإصابات بأنّه من الأعلى نموًّا عالميًّا في تقارير حديثة. والأكيد أنّ هذه الزيادات لا تُعزى لسببٍ واحد، لكنّ التعرّض للتبغ يبقى من أهمّ عوامل الخطر القابلة للتدخل.
وإذا أردنا الغوص أكثر في الترابط الوثيق بين التدخين والسّرطان، مع عدم التغاضي عن الأرقام الكارثيّة التي تُسجَّل في لبنان، لا بدّ من الاطّلاع على بعض الدّراسات التي تؤكّد أنّ العوامل القابلة للتعديل مثل التدخين تشكّل حوالي 41.7 في المئة من حالات الوفاة بالسّرطان عالميًّا، مع التشديد على أنّ التبغ هو العامل الأكبر بين العوامل كافة.
في لبنان، يُشير التقرير الوطني إلى أنّ التبغ كان مسؤولاً عن حوالي 11.5 في المئة من كلّ الوفيات عام 2021، مع تباين بين الجنسين: 13.9 في المئة بين الرجال و8.0 في المئة بين النساء. كما تقول الأبحاث إنّ الاستخدام المشترك للسجائر والنرجيلة يزيد من الاعتماد على النيكوتين ويُعزّز خطر الإصابة.
ماذا يعني ذلك؟ جزءٌ غير بسيط من حالات السّرطان التي نراها في بلدنا، سواء في الرئة أو الحنجرة أو المثانة أو غيرها، يُمكن الوقاية منها أو تقليصها إلى حدٍّ كبير عبر التّقليل من التدخين. بطبيعة الحال ليس التدخين وحده، فثمة عوامل أخرى (التلوث، التغذية، الوراثة، وغيرها)، لكنّ النيكوتين يُعتبر عاملاً رئيسيًّا يُمكن السيطرة عليه.
إذاً، لبنان أمام مفترق حاسم: إمّا الاستمرار في هذا المنحى مع نسبة مدخّنين مرتفعة وعبءٍ سرطانيّ مُتزايد، أو أن نخترق هذه الدوامة بخطواتٍ عمليّة. طبعاً أحدٌ لا يُريد أن يخسر المزيد من أحبائه على فراش الموت بسبب "هيداك المرض" الذي يوجعنا ذكر إسمه حتّى.
من أجل ذلك، هناك بعض الاقتراحات التي يُمكن أن تكون بمثابة حلولٍ عمليّة إذا طُبّقت كما يجب وبشكلٍ صارم، نذكر منها رفع الصّوت لتطبيق سياسات ضريبيّة صارمة على التبغ بحيث ترتفع الأسعار وتُصبح العقبة الاقتصاديّة معياراً فعّالاً، حظر التدخين في الأماكن العامة والمقاهي وتطبيقه فعليًّا من دون أيّ استثناءات ومع عقوبات واضحة، إطلاق برامج إقلاع وطنيّة شاملة مع خطوط استشارة وتدريب للأطباء في تقديم المُساعدة الفعّالة للأفراد والمجتمع للإقلاع عن التدخين. كما يُمكن إطلاق حملات إعلاميّة ذكيّة وموجّهة تُبرز مخاطر النرجيلة والتدخين.
في الختام، هذه الأرقام ليست سوى إحصاءات ولكنّنا نعيش الواقع ونعرف جيّداً مدى انتشار التدخين بيننا، خصوصاً أنّ النرجيلة باتت جزءاً من ثقافة المقاهي والتجمّعات وسط الضّغوط النفسيّة التي يعيشها اللبناني في حياته اليوميّة فيهرب إلى التدخين كآلية مواجهة "لتخفيف الضّغط". ونُدرك جيّداً أيضاً مدى تغلغل المرض الخبيث بمختلف أنواعه وعدد المرضى الذين يسرقهم يوميًّا على غفلة.
الأمل دائماً موجود وقد يُصبح حقيقة إذا نُفّذت الخطوات المذكورة أعلاه بجديّة ومسؤوليّة. تخيَّلوا للحظة واحدة فقط، أنّنا نعيش في عالم بلا تدخين مع معدّلات ضئيلة جدًّا من السرطان. هذا ليس حلماً مستحيلاً. فليكن قرار إنقاذ المجتمع المريض، اليوم وليس بعد غد.

alafdal-news



