كريستال النوّار - خاص الأفضل نيوز
في شوارعنا، لا نحتاج إلى التركيز لنراهم. أطفال بملابس متّسخة، حفاة أحياناً، يطرقون زجاج السيارات في زحمة السّير من دون أيّ خوف من صدمهم بالخطأ. لا يسألون "كيفك؟"، بل "بتشتري وردة؟"، أو يمدّون يداً صغيرة فيها ما تبقّى من كرامة لا يعرفون معناها بعد.
هذا المشهد موجع جدًّا خصوصاً في بلدٍ يفيض بالشّعارات الحقوقيّة حيث يزداد عدد الأطفال المشرّدين بصمتٍ مُخيف. الدكتور في علم الاجتماع في الجامعة اللبنانية يوسف حمادة يُشير إلى أنّه وفقاً لمنظمة "اليونيسف" 80 في المئة من أطفال لبنان يُعانون من واحد من أبعاد الفقر الذي يتعلّق بالصحّة والطّعام والسّكن والتّعليم. ويُضيف في حديثٍ لموقع "الأفضل نيوز" أنّ الفقر هو السّبب الأوّل للتشرّد بالإضافة إلى التسرّب المدرسي، التفكّك الأسري والطّلاق، مكان السّكن إذا كان في مناطق تشهد أحزمة بؤس وعشوائيّات.
ووفق أرقام "اليونيسف" في العام 2024، أكثر من 7000 طفل في لبنان يعملون في الشّارع، نصفهم لا يذهب إلى المدرسة و40 في المئة منهم لا يحصلون على الحدّ الأدنى من الغذاء اليومي. مع العلم أنّ هذه الأرقام، وفق باحثين اجتماعيّين، أقلّ من الواقع بكثير لأنّ قسماً كبيراً من هؤلاء الأطفال خارج أيّ قاعدة بيانات. وهنا يُشدّد د. حمادة على أنّ المشكلة الكبيرة تكمن في غياب الأرقام الدقيقة، "إذ نحتاج إلى الإحصاءات والأرقام من أجل التحرّك الفعلي والفعّال"، لافتاً إلى أنّ "الجهة المسؤولة عن موضوع التشرّد هي وزارة الشؤون الاجتماعيّة".
أمّا بالنّسبة للحلول والجهات الفاعلة على الأرض، يرى د. حمادة أنّه يُمكن البدء من المجتمع المحلي على مستوى البلديات ضمن نطاقها الجغرافي، من خلال القيام بإحصاءات دقيقة، خصوصاً أنّ الأولاد الذين يجولون في الشوارع يكونون مرئيّين أمام النّاس ويُمكن تتبّعهم والحصول على أرقام دقيقة حول عدد الأطفال المشرّدين في كلّ بلديّة. وأيضاً على مستوى وزارة الشؤون الاجتماعية، التي تملك مراكز خدمات إنمائيّة في معظم المناطق اللبنانيّة، بإمكانها أن تتحرّك وتقوم بإحصاءات في هذه الإطار. كما أنّ وزارة التربية يُكن أن تؤدّي دوراً فعّالاً من خلال إعداد إحصاء معيّن يتعلّق بالتسرّب المدرسي ومتابعة التلميذ الذي يترك المدرسة ومكان ذهابه، في محاولة لاستباق المشكلة والحدّ من التشرّد والتسوّل.
وفي بلدٍ تكثر فيه النّصائح والتوصيات، آن الأوان للخروج بأفعال على الأرض، وفق د. حمادة الذي يُتابع قائلاً: "على الحكومة، من خلال وزارة التربية، أن تطبّق قانون إلزاميّة ومجانيّة التعليم في لبنان؛ فإذا طُبّق هذا القانون، عندها لن يُحرم أيّ ولد من التعليم ولن يترك أي طفل المدرسة وإلا يقع الأهل تحت طائلة المساءلة".
بالإضافة إلى ذلك، يُضيف دكتور علم الاجتماع أنّ هناك وزارات وجهات معنيّة (مثل الصحّة والشؤون الاجتماعيّة والمجلس الأعلى للطفولة) يُمكن أن تعمل في هذا الإطار. فهذه الأطر التنظيميّة عليها أن تضع أرقاماً حول اماكن تمركز الأطفال المشرّدين مثلاً، من أجل التمكّن من إيجادهم وتتبّعهم بخطّة محكمة، بعد القيام بإحصاءات ودراسات.
ماذا عن طرق الحماية؟ يُعدّ د. حمادة مجموعة من الوسائل أهمّها التدخّل مع الأهل "من خلال البحث عن إمكان المساعدة إذا كانت الأسرة فقيرة، وهنا تكمن أهمية برنامج الأسر الأكثر فقراً". وأيضاً يمكن التدخّل من قِبل المؤسّسات التعليميّة "عبر العمل على برامج متخصّصة للتعاطي مع هؤلاء الأطفال مع تنظيم دورات للمعلّمين بشأن التنمر". ويُمكن أن تتحرّك الجمعيّات والمنظّمات غير الحكوميّة "عبر إجراء دورات تدريب مهني للأطفال المشرّدين وتأمين عمل لهم لاحقاً".
وإذا أردنا العودة إلى القوانين، لا بدّ من الإضاءة على تفصيل بالغ الأهميّة وهو القانون الذي ينصّ على وضع الطّفل في إصلاحيّة رسميّة بحال عجز الأهل عن الإهتمام به أو بحال كان الطّفل عرضة لأيّ خطرٍ كان. للأسف، لا إصلاحيّة رسميّة في لبنان، يقول د. حمادة، ويُشدّد على أنّ "الأدوات والآليات التي نستخدمها أثبتت أنها غير فعّالة في مواجهة هذه الظّاهرة، وبالتالي هذا يستدعي من المعنيين إجراء تقييم جدّي وتغيير الطريقة المُعتمدة"، لافتاً إلى أنّ "لا إصلاحيّة رسميّة في البلد، بل جمعيّات تتعاقد الدولة معها لوضع الأطفال عندها، وتجربة بعض هذه الجمعيّات قد من الأسوأ"، مُطالباً الدولة بـ"وجوب استحداث إصلاحيّة في كلّ محافظة ووضع أشخاص متخصّصين على رأسها، تحت إشراف جهات مختصّة مع مُتابعة قانونيّة حثيثة".
ماذا لو اعتبرنا هؤلاء الأطفال مشروعاً وطنيًّا؟ بدل أن نتركهم للشارع، لماذا لا تطلق الجهات المعنيّة برامج "تجنيد إيجابي" لهؤلاء القاصرين تمنحهم التدريب والمسكن والتعليم الأساسي، في بيئةٍ منضبطة تُربّيهم على الإنتماء بدل تركهم ضحية الخطر؟
هذا ليس مستحيلاً. فقد أثبتت الأبحاث أنّ تجارب شبيهة نُفّذت في بلدان عدّة، حيث أعادت برامج "الإدماج بالقوة الإيجابيّة" آلاف الأطفال من الشّوارع إلى المُجتمع.

alafdal-news



