نبيه البرجي - خاصّ الأفضل نيوز
هنا تأويل الحاخام مئير كاهانا للنص التوراتي "إذا زالت إسرائيل زال العالم" الذي وجد أساساً، من أجل "شعب الله المختار". الآخرون تلمودياً حيوانات بشرية خلقت على صورة الآدميين لتليق بهم خدمة ذلك الشعب.
المثير أن هذه قناعة الإنجيليين الصهاينة في أميركا، والذين ينتشرون في أكثر القطاعات حساسية وتأثيراً داخل المؤسسات السياسية والمالية والإعلامية والثقافية، وهم من يشكلون القاعدة الشعبية للوبي اليهودي بامتداده الأخطبوطي داخل مراكز القرار.
الأنجيليون الصهيونيون يعتبرون أن وصول اليمين المتطرف إلى السلطة حصل بأمر إلهي، بعدما بدأ التخلخل والتعفن الإيديولوجي يضرب القوى الأخرى التي في موقع القيادة. بنيامين نتنياهو على رأس هذا اليمين، وقد لاحظنا كيف تم استقباله في الكونغرس الذي هو بمثابة النسخة الأميركية لا عن الكنيست، وإنما عن الهيكل.
رجل بكل مواصفات قاطع الطريق لا يقود الشرق الأوسط فحسب إلى الخراب، بل والكرة الأرضية أيضاً، لأن اتساع الصراع في المنطقة لا بد أن يستدعي تدخل القوى العظمى إن لاحتياطياتها النفطية الهائلة، أو لحساسية موقعها الجيوستراتيجي (من مضيق هرمز إلى باب المندب وقناة السويس)، وهي كجزء حيوي من آسيا، تتاخم أوروبا وتخترق أفريقيا.
الأميركيون، بكل جبروتهم، كأعظم إمبراطورية في التاريخ، لم يتمكنوا من ترويض زعيم الليكود، وهو الذي تؤكد أجهزة الاستخبارات الأميركية اعتزامه استخدام الأسلحة النووية لتنفيذ وعده، ووعيده، غداة عملية "طوفان الأقصى" بتغيير الشرق الأوسط وبإزالة أي حالة يمكن أن تهدد بقاء إسرائيل. بقاؤه بالدرجة الأولى...
هذه المعلومات نقلت من واشنطن إلى طهران التي لم تكن تتصور أن الأمور يمكن أن تصل إلى المواجهة الكبرى، المؤجلة في الوقت الحالي، إن بسبب الاختلال في موازين القوى، أو بسبب ضائقتها الاقتصادية التي تبدو من دون أفق بسبب الحصار الرهيب.
الأوروبيون يقولون إن الإيرانيين ارتكبوا خطأ فادحاً حين أشعلوا الجبهات الحليفة لا سيما لبنان الذي يعاني من أزمات بنيوية قاتلة، وهم يحاولون، عبثاً احتواء الاحتمالات، بعدما فات الأوان وبدا نتنياهو لكأنه الوحيد الذي يدير اللعبة، وهو الذي يحلم بأن يرى دباباته في بيروت، دون أن يتذكر ما حصل لدبابات آرييل شارون، صيف 1982، حين كانت طواقمها تناشد أهل المدينة بـ "عدم إطلاق النار علينا لأننا خارجون".
الأوروبيون يقولون إن الرجل جاهز للحرب الكبرى، كامتداد ميكانيكي للحرب الحالية، دون أن ينتظر الذريعة، ولو بإطلاق طهران رصاصة واحدة، ودون أن يكترث بتصريح المتحدث باسم الحرس الثوري العميد محمد علي نائيني بأن فترة الرد الإيراني قد تكون طويلة، وبأن الرد "لا يشبه العمليات العسكرية السابقة"، ليضيف "إن السيناريوهات ليست متشابهة، وستغيّر حسابات العدو".
آنشال فوهرا، الكاتبة في الـ"فورين بوليسي"، ترى أن إدارة جو بايدن فقدت القدرة كلياً على زحزحة بنيامين نتنياهو بالتوقف عن اندفاعه نحو الحرب، وهو الذي يعتقد أن الدولة العبرية تواجه الآن خطراً وجودياً، بعدما ذهب الإيرانيون بعيداً في لعبة الحرائق، وأن أي عملية ديبلوماسية لن تكون، في أي حال، لمصلحة إسرائيل.
سلسلة من الخطوات المتدرجة في رأسه، وتبدأ بتفريغ الضفة والقطاع من الفلسطينيين، ليتحقق كلام زئيف جابوتنسكي المرشد الروحي لأبيه بن صهيون نتنياهو، "لنهر الأردن ضفتان. هذه لنا، وتلك أيضاً". أما غزة، وقد تحولت إلى ركام، فهي المدخل إلى شبه جزيرة سيناء حيث "جبل يهوه" (الطور) الذي أعطى فيه الرب موسى الوصايا العشر.
نتنياهو يدرك مدى هشاشة الوضع الداخلي في لبنان الذي لا بد من إزالته، كفائض جغرافي، كما وصفه هنري كيسنجر، أو كخطأ تاريخي، كما وصفه آرييل شارون. ليست فقط الهشاشة السياسية، والاقتصادية. هناك المشكلة الكبرى ـ الفاجعة الكبرى ـ في التعقيدات الطائفية التي تهدد بهزات داخلية عاصفة تتداخل مع مسار حرب كبرى، بمئات الطائرات ضد لبنان، إذا تسنى لنتنياهو تنفيذ ما في رأسه على الأرض .
المنطقة كلها على حدود المجهول. بنيامين نتنياهو، بكل مواصفات هولاكو، واثق من أنه يستطيع أن يجر أميركا في أي لحظة إلى ساحة القتال. لا سقف ولا جدران للشرق الأوسط...