طارق ترشيشي - خاص الأفضل نيوز
لم ينقطع الأمل في إمكان تلافي حصول مواجهة كبرى بين إيران وإسرائيل من شأنها أن تدخل المنطقة في حرب شاملة، وذلك في ضوء الرسائل التي توجهها طهران في مختلف الجهات.
وتؤكد مصادر دبلوماسية مطلعة على الموقف الإيراني لـ "الأفضل نيوز" أن جولة وزير الخارجية الإيراني عباس عرقجي الأخيرة على بعض دول المنطقة ولا سيما الخليجية منها، كانت لـ"إلقاء الحجة" على هذه الدول قبل وصول الأمور إلى مكان لا رجعة فيه.
وتقول هذه المصادر أن الرغبة الإيرانية بالتهدئة والمفاوضات التي تجريها مع بعض العواصم الكبرى والإقليمية هي جزء من تبادل الرسائل التي تشدد على خفض التصعيد تمهيدًا للبحث في الحلول المطلوبة للأوضاع في المنطقة، وأن التراجع في حدة القصف الإسرائيلي على الضاحية الجنوبية لبيروت وغيرها في هذه الأيام على الرغم من استمرار محاولات الاجتياح البري تشير إلى أن الميدان يواكب رسائل التهدئة.
ولكن يبدو أن حرب الاغتيالات التي تواصلها إسرائيل لا تدخل في هذا السياق لأن تل أبيب أعلنت صراحة أنها لن تتورع عن اغتيال أي قيادي في حزب الله سياسيًّا كان أم عسكريًّا كل ما يتسنى لها ذلك وفي أي وقت.
وتضيف هذه المصادر أن الجانب الإيراني قصد من خلال حضوره المباشر إلى لبنان عبر وزير خارجيته زيارة عباس عرقجي أن يكون واضحًا في الموقف الداعم للمقاومة ولبنان ودحض أي التباس حوله، إذ أنه زامن بين هذا الحضور وبين "الخطاب العربي" الذي ألقاه المرشد الأعلى للجمهورية الإسلاميةِ الإيرانيّة السيد علي خامنئي تأبيناً للأمين العام لحزب الله الشهيد السيد حسن نصرالله، فيما أبقى عرقجي بعد مغادرته بيروت على مستشاره لشؤون الشرق الأدنى محمد شيباني فيها مقيمًا ومتابعًا ما يجري إلى حين عودة السفير الجريح مجتبى أماني بعد شفائه من الجروح التي أصيب بها نتيجة تفجير أجهزة "البايجر".
وتؤكد المصادر الديبلوماسية أن الجانب الإيراني لمس من خلال زيارة عرقجي لبيروت "أن حزب الله عاد ونهض مجدّدًا أقوى مما كان، فهذا الحزب الذي واكبت إيران نشأته منذ 42 عامًا، ودعمته، لن تتخلى عنه خلافًا لما يردده البعض هذه الأيام في لبنان وخارجه، فهو قوي وثابت ومتماسك وليس ريشة تتطاير في الهواء عند أي نسمة، ولديه تجذر شعبي وثقافي وعقائدي وعسكري متكامل ويتمتع بقوة تمكنه من الانتصار واجتياز القطاع الخطير جدًّا الذي يمر به".
كذلك قصد الجانب الإيراني من إبراز حضوره الكبير في الساحة اللبنانية والإقليمية مساعدة الحزب ومده بالدعم المعنوي على مستوى قيادته وجمهوره بما يمكنه من تحقيق مزيد من التعافي وتأكيد الحضور واضعًا ما لدى إيران من خبراء وخبرات في تصرفه، مع العلم أن القيادة الإيرانية على يقين بأنه تجاوز الخطر وبات في مرحلة استعادة المبادرة وكذلك خرج من مرحلة تلقي الصدمات القصوى والقاسية، فيما الأوراق المتبقية بيد بنيامين نتنياهو اليوم لن تكون بقساوة ما مر، فيما لدى الحزب من الأوراق ما لم يكشف بعد.
وتعتبر المصادر الدبلوماسية أن الجانب الإيراني يدرك أن الإسرائيلي لن يكرر أخطاء سابقة بدخوله إلى بيروت مثلما حصل خلال اجتياح لبنان عام 1982 لأن حزب الله في تلك الفترة كان حديث النشأة ومحدود القدرات ولكنه منذ ذلك الحين مرورًا بتحرير الجنوب عام 2000 والانتصار في حرب تموز 2006 وصولًا إلى الآن بات يتمتع بقدرات كبيرة جدًّا، وبالتالي إذا حاول الإسرائيلي أن يكرر اجتياح لبنان هذه المرة ستكون خسارته كبيرة جدًّا بل مدوية وما يتعرض له هذه الأيام من ضربات في الميدان على الحدود الجنوبية يشكل نموذجًا صغيرًا لما يمكن أن يتعرض له إن كرر الاجتياح.
فسابقا كانت إمكانات الحزب محدودة وانتصر فكيف وهو الآن يملك من الإمكانات الكبرى البشرية والعسكرية التي لم تؤثر فيها خسارته لأمينه العام وأركان حربه الذين اغتالتهم إسرائيل غدراً؟
وتوضح المصادر الدبلوماسية المطلعة على الموقف الإيراني أن جولة عرقجي الأخيرة في المنطقة وخصوصًا على بعض دول الخليج كانت تهدف إلى الآتي:
ـ أولاً، تأكيد استمرار إيران في سياسة الانفتاح على جيرانها وحرصها على أن تكون هذه الدول في تعاون معها لوضع حد لجموح نتنياهو نحو إشعال المنطقة.
وفي هذا السياق تراهن إيران على دور إقليمي يمنع نتنياهو من التهور ودفع المنطقة نحو حرب شاملة ومن هنا تأتي دعوات طهران المتكررة إلى اجتماعات لمنظمة التعاون الإسلامي واجتماعات الإقليمية أخرى للدفع في هذا الاتجاه .
ـ ثانيا، في ظل ما يحكي عن قرار إسرائيلي بالرد على إيران بعد هجومها الانتقامي الأخير عليها تصب جولة عرقجي في إطار تأكيد عدم تسامح إيران مع أي دولة وخصوصًا الدول الحليفة لإسرائيل وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية إذا سمحت باستخدام أراضي الدول المجاورة لإيران منصة لاستهدافها بحيث أنها ستقصف أي مكان يشكل تهديدًا لأمنها.
ـ ثالثا في مكان ما ومن حيث توسيع مروحة الدول التي زارها، وتحديدًا السعودية وقطر) أراد عرقجي إيصال رسائل في إطار المفاوضات غير المباشرة التي تجري بحيث تساعد في التاثير على الموقف الأميركي لمنع إسرائيل من تفجير المنطقة إذ أكد عرقجي لهذه الدول أن إيران لا تريد الحرب ولكن هذا لا يعني أنها ضعيفة أو خائفة منها، فهي قادرة على الدفاع عن نفسها وإنما تريد تجنيب المنطقة الحرب الشاملة التي يمكن أن تنشب نتيجة ردها على إسرائيل بطريقة مزلزلة في حال استهدفت تل أبيب المنشآت النووية والاستراتيجية والحساسة والحيوية الإيرانية فإيران لا تريد الحرب لكنها لا تخشاها.
وتشير المصادر الديبوماسية إياها إلى أن إيران ما تزال تراهن على دور غربي يلجم نتنياهو، وهي بدأت تتلمس مؤشرات لهذا الدور من خلال المسافة التي نشأت أخيرّا بين الموقفين الفرنسي والإسرائيلي بعد انقلاب نتنياهو على البيان الأخير الأميركي ـ الغربي العربي الذي صدر على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة ودعا إلى وقف النار في لبنان وتطبيق القرار 1701 الذي يكفل عودة الهدوء إلى المنطقة الجنوبية اللبنانية.
وفي ضوء كل هذه المعطيات، تؤكد المصادر، أن عودة إسرائيل عن موافقتها على مضمون هذا البيان الدولي العربي أحدث "نقزة" لدى إيران التي لا تزال تراهن على دور فرنسي ـ أوروبي يلجم نتنياهو، وهي مقتنعة بأن الدول الغربية قادرة على لجمه إذا أرادت وذلك عبر التأثير في الموقف الأميركي الذي يستطيع بدوره أن يوقف إسرائيل عند حدها، خصوصًا وأن نشوب أي حرب في المنطقة لن يكون في مصلحة الإدارة الأميركية الحالية، وذلك بالاستناد إلى التجارب السابقة التي ما تزال واشنطن تعاني من ذيولها خصوصًا في حربيها الشهيرتين على العراق وأفغانستان.