رائد المصري- خاصّ الأفضل نيوز
تعتبر العديد من العواصم العربية والغربية ومنها واشنطن، أن وقف الحرب على لبنان لم يحِنْ وقته، وما عزَّز هذه الفرضية، هي أن الحرب الإسرائيلية على المقاومة وكل لبنان لم تنهِ أهدافها، فثمَّة متغيِّرات سريعة تتعلق بمستقبل الشرق الأوسط بدأت بالظهور على وقع حرب غزة، والتي انتقلت إلى لبنان وتركت آثاراً وندوباً خطيرة على أكثر من منطقة في بيروت والضاحية والجنوب والبقاع، حتى ولو كانت واشنطن غير راغبة عن خرق الهدنة غير المعلنة، بعدم استهداف بيروت وضاحيتها الجنوبية، لكن الإفلاس الإسرائيلي صار واضحاً لناحية استهداف مؤسسات القرض الحسن، في بيروت والبقاع والنبطية، وتمكَّنت طائرات العدو من تسويته بالأرض.
حتماً هناك متغيِّرات في الإقليم، أبرزها وصول التصعيد الإيراني _الإسرائيلي إلى الذروة، واقترابه من المواجهة المباشرة والصدام المباشر، بعد سنوات من التهديد الكلامي اللّفظي، فرفعت إسرائيل اليوم من مستوى عنفها العسكري على بيروت، التي تستقبل الوسيط والموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين، وتتلقَّى موجات من القصف المركز، وهو ضغط عبر النار يحاول فيه الوسيط الأميركي طرح تفسير جديد للقرار 1701 ،لوضعه موضع التنفيذ، ليصار إلى وقف إطلاق النار مع ترتيبات لنشر الجيش اللبناني عند الخط الأزرق، بفعالية أكبر بالتعاون مع قوات اليونيفل، وسط دعوات لتحويلها إلى قوة صادمة أو مانعة للتواجد العسكري في عمق عملياتها، فزيارة هوكشتاين أكد فيها بصريح العبارة:"نحن بعيدون كثيراً ممَّا كان يجب أن يُطبق، بل إن القرار الأممي الشهير لم يعد كافياً".
لكن المساعي الأميركية والأوروبية والعربية، سجَّلت حضوراً كبيراً للتوصل إلى وقف قريب لإطلاق النار، وبحسب مصادر صحافية مطَّلعة في بيروت، فإن مخرجات اجتماعات الموفد الأميركي، لم تعطِ أجوبة واضحة حيال التقدم بأي مسعى لوقف النار، حتى ولو كان هناك اتفاق على القرار 1701، وبأن هوكشتاين لم يمنح ضمانات بعد، بل هو ينقل الطروحات، في وقت يستمر فيه العدوان الهمجي على لبنان من دون توقف، وتوكِّد المصادر عينها، أن أهم النقاط المطروحة في محادثات هوكشتاين، هي ما نقله من طلب إسرائيلي لنزع سلاح حزب لله، وحل جناحه العسكري، وإيجاد حلول للترسانة الصاروخية والمسيّرات، سواء عبر تسليمها للجيش اللبناني، أو إعادتها إلى مصدرها في إيران، إذ أن الصواريخ والمسيّرات هي قوة تسليحية جديدة للمقاومة، وهي أثبتت خطورتها في الوصول إلى الداخل الإسرائيلي، بالإضافة إلى الإصرار الإسرائيلي على إقامة منطقة عازلة بعمق ١٣ كلم على الأقل، وتم جرف معظم الأبنية والمنشآت التي كانت قائمة عليها في القرى الحدودية الأمامية.
إن كل جهود وقف الحرب على لبنان، ما زالت تواجَه بعراقيل، بسبب تشابك وتعقيدات الصراع في المنطقة، منها استمرار الحرب على جبهات غزة، ولبنان، وتهديد سوريا والبحر الأحمر، إذ تقول مصادر ديبلوماسية متابعة للشأن اللبناني، أن التفاوض حول لبنان يحتاج إلى صيغة سياسية لبنانية داخلية تدير مرحلة التفاوض، ومعها تداعيات توسّع العدوان الإسرائيلي على أراضيه، ويكشف المصدر عينه أنّ تقدّم خطوة انتخاب الرئيس على وقف النار، يعود للحاجة إلى تركيبة تعكس المتغيّرات التي أصابت الخلل في اتخاذ القرار اللبناني، وقد بُنيت هذه المتغيرات عبر اجتماع الثلاثي والاتفاق بين رئيسَي البرلمان والحكومة نبيه بري ونجيب ميقاتي، ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي السابق وليد جنبلاط على فصل لبنان عن غزة، وكذلك على الاتفاق الضمني بين الثلاثة، بعدم ربط انتخاب رئيس الجمهورية بوقف النار، وأخيراً وضع الثلاثي أسس التفاوض على وقف النار وسقفه بالالتزام بتطبيق القرار 1701.
أما لجهة الحديث عن تعديل القرار 1701 فهو أمرٌ مبالغ فيه، بعد ما قاله هوكشتاين بأنّ التزام تطبيقه لم يعد يكفي، وبحسب مصادر سياسية كان المقصود منه، تمتين قدرة الجيش واليونيفيل على تنفيذ أحكام القرار، وحرّية حركة القوات الدولية من دون قيود.
وعليه، ومن أجل تحريك المياه اللبنانية الراكدة رئاسياً، تطرح الدول الغربية والعربية وبعض القيادات في لبنان، صيغة تتقدم بها عملية انتخاب رئيس للجمهورية في البداية، من أجل استعادة المؤسسات اللبنانية دورها وانتظامها، بعد أن تفكَّكت وأصابها الشلل جراء التأزم السياسي، وبالتالي بانتخاب رئيس، فإن هذا يُثبت حسن النوايا باستعداد الطبقة السياسية للتعاطي بجدية، واستعداد الخارج في مساعدة البلد على النهوض والإعمار، فعملية انتخاب رئيس للجمهورية، يطلق عملية التغيير في تركيبة السلطة الحاكمة، ويدفع إلى تعزيز الجيش اللبناني ولعب دور أكبر في الجنوب، وهو ما يمكن أن يعجل من أجل وقف النار على لبنان بحسب المصادر.
هذه الصيغة في الحل التي تقضي بتقديم انتخاب الرئيس على وقف النار دونها عقبات جمَّة، فهي تقوم تحت الضغط والنار الإسرائيلي، خصوصاً أن إنهاء الحرب هي عملية طويلة، ومخرجات انتخاب رئيس تحتاج إلى تمهيد وتسهيل إيراني، وتحتاج إلى إخراج من قبل اللجنة الخماسية المعنية بإنهاء الفراغ الرئاسي، وقبل ذلك تحتاج الخماسية بأن يطلعها هوكشتاين على نتائج مداولاته في بيروت، ويفترض إطلاع الموفد الرئاسي الفرنسي عليه جان إيف لودريان، الذي يُنسِّق مع هوكشتاين.
أي كلام عن هدنة لفترة محددة أو نتائج لزياة هوكشتاين ستتظهر قريباً، فيما مِلف الرئاسة ينتظر أولوية وقف إطلاق النار، وهذا بحسب مصادر سياسية قريبة من الرئيس بري ورئاسة الحكومة اللبنانية، فزيارة الموفد الأميركي هذه المرة تغيَّرت لناحية المناقشات واللَّهجة التي تمَّت فيها المخاطبة، بسبب نتائج الحرب المدمرة على لبنان، وما فعلته من ضربات موجِعة أصابت الجسد اللبناني كله، فيبدو أن هوكشتاين ذهب ولن يعود، والمفاوضات حول وقف إطلاق النار هي في بداياتها، والمطالب الإسرائيلية عالية السقف لإخضاع لبنان لشروطها الأمنية، فالشروط الإسرائيلية تتسبب بتعثُّر الحل لوقف الحرب، وهذا ما عدَّل في أولويات الجهود الدولية والعربية، إذ أصبح انتخاب رئيس للجمهورية، يتقدم على ما عداه، تمهيداً للتفاوض على وقف النار، وعليه فإنَّ ما يعبِّر عنه الساسة الأميركيون في إعطاء حرية ومساحة أكبر للعمليات العسكرية الحربية لتل أبيب على لبنان، جواً وبراً وبحراً، لا يزال حتى اليوم مرفوضًا لبنانياً، فكيف إذا ترافق كل ذلك مع فرض شروط سياسية على البلد تتعلق بالأمن والسياسة، فيما لا يزال المقاومون يتربَّصون بالعدو جنوباً، وبإمطار كل المدن الإسرائيلية بالصواريخ كل يوم، ولم يتقدم سوى أمتار قليلة داخل الأراضي اللبنانية..فكيف سيُصرف هذا التعثُّر العسكري بترجمة مكاسب سياسية على أرض الواقع اللبناني..؟