رائد المصري - خاصّ الأفضل نيوز
مرحلة ضبابية تعيشها المنطقة ولبنان، بعد تضارب المواقف والبيانات والتسريبات بشأن وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل، وكذلك ما يتعَّلق بزيارة الموفد الأميركي آموس هوكشتاين إلى بيروت، وسط معلومات متضاربة ومتناقضة، تنقلها تل أبيب عبر تسريبات تتعلَّق بنجاح المفاوضات مع لبنان ونضوجها، والتسريبات التي يطلقها القادة العسكريون الإسرائيليون حول المرحلة الثانية من التوغُّل البري، ممَّا يعني أن نتنياهو يستخدم سياسة المد والجزر بالضغط على لبنان، للقبول بالشروط المطروحة للحل، وبمسودة الاتفاق الأميركي التي صاغها هوكشتاين، أو الاستمرار في الضربات العسكرية والاستهداف الكامل للأراضي اللبنانية والبُنى التحتية والسكانية لوقت طويل.
فبحسب مصادر ديبلوماسية عن الموقف الأميركي، المُحاط بالغموض حيال عودة موفد الإدارة الديمقراطية الراحلة، فإن الحكومة الإسرائيلية، غير مستعدة للتقدم في المسار الديبلوماسي للحل، خلافًا لكل ما تم تسريبه، ولهذا صار من المؤكد انتظار تشكيل الطاقم الإداري والحكومي للرئيس الجديد دونالد ترمب، والدخول إلى البيت الأبيض، لإنضاج وإنتاج اتفاق حل بوقف النار بين لبنان وإسرائيل بصورة غير مباشرة، هذا عدا عن الهوة التي لا تزال واسعة وكبيرة، بين ما تريده تل أبيب وما يمكن أن يقدمه أو يلتزم به لبنان والتعهُّد بتنفيذه، ولذلك رفض كل من الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي، أي إمكانية تعديل للقرار 1701 ، في ظلّ ضغوط دولية كبيرة بإدارة إسرائيلية مباشرة، من أجل جعل جنوب الليطاني منطقة منزوعة السلاح، مع رغبة العدوّ الإسرائيلي الاستمرار بتدمير أكبر للبنى التحتية العسكرية، وارتكاب إبادة جماعية تستهدف البيئة الحاضنة لحزب الله، بعد أن قام باغتيال العديد من الكوادر القيادية في الحزب.
مصادر السراي الحكومية سرَّبت نقلاً عن سفراء غربيين، بأن هناك احتمالات جدية لوقف الحرب والتوصُّل إلى هدنة، وسط تشكيك كبير في النوايا الإسرائيلية، عبر إصرارها على طرح شروط تعجيزية لحمل لبنان على رفضها، وكشف الموقف الرسمي لبيروت، بأنه هو الرافض لوقف الحرب، في حين يأمل البعض وبحسب الأوساط عينها أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وحدها قد تخفِّف من حدّتها باستبدالها بضمانات سياسية غير مكتوبة.
فلا شيء ميدانياً على الجانبين اللبناني والإسرائيلي، يدل بأنّ هناك اتفاق وقف إطلاق النار، خصوصاً ما افتعله الكيان الصهيوني، بغاراته العشوائية الجوية التي استهدفت الضاحية الجنوبية، والتي فاقت أكثر من 15 غارة متواصلة، في استكمال واضح لمسار تجدّد الاشتباكات، مع اشتعال محاور القتال جنوباً، لتعود إسرائيل وتكرِّر محاولات التوغّل البرّي عبر القطاع الغربي والأوسط والشرقي، وقصف العمق الجنوبي والبقاعي، مقابل تكثيف عناصر المقاومة ضرب مستوطنات الشمال، وربما بحسب بعض المطلعين، بأن هذه الحدة العسكرية وارتفاع منسوبها يسبق أي مفاوضات أو محاولات لوقف إطلاق النار، من أجل كسب التفاوض وتقوية الشروط للحل.
هناك تعويل على لقاء الرئيسين الأميركيين جو بايدن ودونالد ترمب في البيت الأبيض، لتتحدد معهما رياح الحرب في المنطقة، ورسم خريطة طريق للمرحلة الانتقالية على الأقل، ومدِّ هوكشتاين بجرعات دعم تفاوضية لاستكمال مسيرته، لكن لا شيء مؤكَّد إلى الآن، لكن ما يتردد عن التقدم في مفاوضات وقف النار في لبنان، لا علم للجانب الرسمي فيه، خاصة أنها لم يردها أي مسودة للنقاش، بعد البنود التعجيزية بإعطاء العدو الإسرائيلي هامشاً كبيراً لفرض نوع من الوصاية الأمنية، عبر الرقابة الجوية والبرية والبحرية، وبالطبع فهذا أمر مرفوض وطنياً في لبنان، لكونه يتعارض بشكل سافر مع مبادئ السيادة والاستقلال، ويفسح في المجال للعدو الصهيوني التدخل الأمني في كل مرة، من دون العودة للسلطات اللبنانية وكأنه يمارس دور الاحتلال بصورة مباشرة وغير مباشرة.
وبعكس ما تورده بعض الصحافة العربية والمحلية، فإن لبنان الرسمي مستعد لخوض المفاوضات ومستعد لها لحظة انطلاقها، وليس هناك أي تناقضات داخلية حيال الموقف من تطبيق الــ 1701 كاملاً، بتعزيز انتشار الجيش وقوات اليونيفيل الدولية فقط، وبالرغم من أن المقاومة استعادت توازنها العسكري والسياسي، ووجهت ضربات موجعة في محيط تل أبيب والمدن والمستوطنات الإسرائيلية، إلاّ أن ماكينة التدمير الإسرائيلية، لا تزال تتوغل عبر غاراتها واعتداءاتها على الضاحية الجنوبية لبيروت، وعشرات المدن والقرى في الجنوب والبقاع، وصولاً إلى جبيل وبعلشمية وعكار، وتتسبب بسقوط عشرات الشهداء والجرحى المدنيين، فضلاً عن تدمير الأبنية والمنازل، فوق رؤوس ساكنيها الآمنين في بعض الأحيان.
تعمل الحكومة في لبنان وفق المصلحة الوطنية، ومقتضيات التخفيف من معاناة النازحين وقطع الطريق على مخططات نتنياهو المشبوهة في الجنوب اللبناني وفي كل لبنان، ممَّا يؤكِّد على الاستعداد التام لخوض مفاوضات شاقة لوقف الحرب، بموقف لبناني واحد، رسمي وحزبي، دون اعتبارات خارجية أو فئوية، والعمل الفعلي من أجل لبنان أولاً، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من كرامة وحياة هذا الشعب المنكوب، ولذلك كان التعويل على القمة العربية – الإسلامية مؤخراً، كونها شكَّلت ارتياحاً كبيراً، ومؤشراً إضافياً لاستعداد الرياض ومعها المجموعات العربية والإسلامية، الانخراط في المسار الدبلوماسي، بما يخصّ ملفّ غزة أو ملفّ لبنان. ولذلك تصب زيارة وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي إلى بيروت في نفس التوجه، خاصة أنه تحصل بعد وقت قليل من صدور بيان القمة الذي شدد على أهمية انتخاب رئيس في لبنان ودعم الجيش والأمن كضامن لوحدة البلد واستقراره، ودعا إلى التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 بكامل مندرجاته، والتأكيد على التضامن مع لبنان في مواجهة هذا العدوان، وهذا الموقف يتكامل مع ما أصدرته ووافقت عليه الحكومة اللبنانية الرسمية منذ بدء إطلاق العدوان على لبنان.
يبدو أن الحراك المصري نابع من حرص القاهرة على استعادة لبنان لعافيته، إذ يتطلّع المصريون لإنتاج تسوية شاملة، تكون أشبه بخارطة طريق يستند إليها لبنان والمجتمع الدولي، في رسم معالم المرحلة المقبلة، لضمان دوام هذا الاستقرار، فالعدوان الإسرائيلي لم يقتصر فقط على الدمار في القرى الجنوبية والبقاعية والضاحية الجنوبية، وإنّما تسبب بتداعيات إنسانية وسياسية يتوجب معالجتها، وترتبط بعودة النازحين إلى بلداتهم وقراهم، لأنّها مسألة ضرورية وملحة، وتتطلب صياغة حلول عملية لها بالتزامن مع صياغة الحلول الأمنيّة.