رائد المصري - خاصّ الأفضل نيوز
يقترب عداد الضحايا في لبنان من 3 آلاف شهيد، وحوالي 15 ألف جريح، وأكثر من مليون ونصف المليون نازح ومشرَّد وخسائر بمليارت الدولارات، في وطن مُنهك اقتصادياً ومالياً، ولم يتخطَّ ناتجه القومي المحلي منذ الانهيارات المالية المشؤومة الـ 15 مليار دولار سنوياً..إنها مأساة كبرى يتفرَّج العالم كله عليها، كما يتفرج على أفلام " الزومبي"، وعلى الناس الذين يهيمون في الشوارع، بحثاً عن ملجأٍ آمن بعد كل إنذار بإخلاء للمنازل، فيما تستفيق غزة كل صبيحة يوم على مجزرة، يتجاوز عداد ضحاياها الـ 90 شهيداً ومئات الجرحى، إنه ضياع مجتمعيّ وقلق وجودي ومآزق أكبر من كلّ الأرقام.
لبنان الذي يعيش الفراغ السياسي تلو الفراغ، بات عالقاً بين حرب متوحّشة تشنُّها الصهيونية ونازيتها الجديدة، على كل أرضه التي تمسحها حرقاً جنوباً وضاحية وبقاعاً، وبين عناد القوى المحلية والإقليمية والدولية، القادرة على وقف هذه الحرب الجنونية، لأسباب سياسية وانتخابية وشخصية ومصلحية، فيما الناس يموتون نزفاً وجوعاً وقتلاً في العراء، وفي منازلهم الآمنة. فالكل يعلم أن حجم الحرب كبير وخطير على المنطقة ولبنان، وهي لن تنتهي بتسويات وسطية بعد اليوم، فحتماً نحن ذاهبون إلى مشهدية جديدة، سيُقفَل فيها مِلف النزاع في جنوب لبنان مع الكيان الإسرائيلي، والتي ربَّما تكون آخر المعارك، وبعدها إما الذهاب إلى سيادة تامة للبنان على كامل أراضيه وتأكيد سلطة الدولة، وإما التحوُّل إلى ضياع تام وحروب دويلات، يرسم لها الأميركي وينفذها بعصا الإسرائيلي.
فما كان مقدرا قد حصل، بعد زيارة المبعوثَين الأميركيَّين آموس هوكشتاين وبريت ماكغورك، لرئيس وزراء كيان العدو بنيامين نتنياهو، لمناقشة سُبل وقف إطلاق النار وتطبيق الــ 1701، بأنه ما من اتفاق أو تفاهم راهناً، والمعركة مستمرة، وهذا بحسب ما يُستخلص من كلام كل من أمين عام حزب الله الجديد الشيخ نعيم قاسم، ومن خلفه الموقف السياسي الرسمي اللبناني، بعدم قبول الشروط الإسرائيلية تحت النار، والسماح للعدو بانتهاك السيادة اللبنانية والرغبة بالقصف الجوي ساعة يشاء، وكذلك من كلام نتنياهو، بأن تحقيق أهدافه أو نصره لم تكتمل بعد، وهو ما يعني أن الحرب آخذة في التمدُّد، والسيناريوهات العسكرية المرسومة من قبل طرفي النزاع لا تراجع فيها، مهما بلغت الخسائر، فلا يبدو أن هناك حلا قريباً، والآمال التي عقدت على تحقيق هدنة ذهبت أدراج الرياح سريعاً..
بانتظار فرصة ثانية.
وبذلك تكون إسرائيل قد رسمت بدورها سقف طموحاتها، التي ترغب بتكريسها بالعداون الهمجي على لبنان، بين تغيير خريطة الشرق الأوسط، وبين القضاء على المقاومة وحزب الله بشكل تام، بغضِّ النَّظر إذا كانت قادرة على ذلك أم لا، حيث خواتيم المعركة تترك لنهايتها الميدانية، التي يخوض مقاتلو حزب الله معارك باسلة، يمكنها أن تخلط كل الحسابات والأوراق التي بنى عليها بعض الداخل والخارج أحلامه بركوب موج تل أبيب، ولذلك فإن المسودة الأميركية للمفاوضات حول وقف النار في لبنان، والتي سُرِّبت حتماً سيتم التخلص منها، إذا ما خسرت الإدارة الديمقراطية في الوصول إلى البيت الأبيض، إذ إنه حتى الآن لا يعرف أحداً حدود ما ستقبل به إسرائيل لوقف الحرب، في إطار تسوية حدودية بعيدة عن منطق الحديد والنار، التي يرغب نتنياهو وكل طاقمه الوزاري المتطرف بالبناء عليه.
فيما تعتبر الجهات الرسمية اللبنانية، أن القرار 1701 لا يزال هو المنطقي والمرتكز القانوني المقبول دولياً في المرحلة المقبلة، حيث لن تتضح الصورة بعد حول كيفية تطبيق القرار وموقف الأميركيين والإسرائيليين بقبوله أو برفع سقفه، إذ من الطبيعي أن تلعب المواجهات الميدانية دوراً أساسياً في التحكّم بهذا المعيار.
عودة الموفدَيْن الأميركيَّين إلى إسرائيل لإبلاغ نتنياهو عرض مسوّدة الإتفاق، الذي تبيّن أنّ معظم بنوده ترتكز على المقترح الفرنسي، والفشل في قبولها من الطرفين اللُّبناني والإسرائيلي، تتلازم مع قوة الردع التي أثبتتها المقاومة مؤخراً، وهي قد تساهم في تخفيض أثمان سياسية كبيرة على لبنان، بعد وقف الحرب وإجراء جردة بالربح والخسارة، ورغم الضغط الأميركي على نتنياهو للقبول بوقف الحرب على لبنان، ورغم حفلات التفاؤل بحصول الاتفاق والتي أتت قبل موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية بأيام معدودة، لكن مصادر ديبلوماسية غربية، كشفت أن هذه الجولة من المفاوضات لن تغير شيئاً، لأنَّ كل من نتنياهو وإيران، ينتظر وصول رئيس أميركي جديد إلى البيت الأبيض، وكذلك هدف نتنياهو لم يتحقق بعد من الحرب، بحسب ما أوردته المصادر الديبلوماسية عينها.
المعطيات كذلك اليوم، تشير إلى أن إسرائيل لن تعودَ إلى ما قبل عملية طوفان الأقصى، ونتنياهو لن يوقف حربه قبل نزع سلاح حزب الله في لبنان، حيث هدفه صار أمن الحدود الشمالية في الكيان لعقود، وهو يعتبر أنها فرصته التاريخية اليوم، التي لن تتكرر، مستنداً بذلك إلى تفويض من الدولة العميقة، واللُّوبي الإسرائيلي في العالم، لتحقيق ذلك، وتثبيت وجود الــ"دولة" من دون أيِّ خَطَرٍ على حدودها، فهو يريد ضمان نزعِ سلاحِ المقاومة بالقوّة تحت النار، أو إستسلام الحزب وقبوله بتسوية لتسليم سلاحِه، وهو ما لن يتحقق طبعاً في ظلِّ معطيات الميدان جنوباً، حيث لا يعرف أحد ما يخطِّط له الجانب الإسرائيلي عسكرياً، وهو مستمر في تجاوز الخطوط الحمر، وبقتل المدنيين وبسياسة التهديد بإخلاء مساكنهم على غرار ما فعله بغزة، وعلى المقلب الآخر استعاد حزب الله عافيته العسكرية، وبهذا فإنَّ التفاوض تحت النار يأخذ مداه مع إمكانية بروز معطيات تسرِّع هذا التفاوض أو تجعله بطيئا.
فلبنان يبدو مقبلاً على أيامٍ عصيبة، ستتسارع فيها وتيرة الغارات الإسرائيلية على كامل مناطقه الجغرافية، لتضع اللُّبنانيين أمام خيارين، إمّا القبول بسحب السلاح والذهاب طوعاً في مسار الاتفاق، أو الذهاب بالقوّة وتحت النار كما يحصل يومياً، والخلاصة، نحن بمواجهة مشروع دخول لبنان العصر الأميركي، تتطلب صلابة رئيس مجلس النواب نبيه بري، ومعه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أمامه، والتعامل ضدَّ صفقة الاستسلام المعروضة عليه، لا سيَّما مع كل التسريبات عن فشل المفاوضات في تل أبيب ومواقف نتنياهو، والذهاب للاستفسار عن المرحلة المقبلة، المتعلقة بالأعمال العسكرية التي باتت متفلتة، وبعدما نعى الرئيس بري، المبادرة الأميركية الأخيرة لوقف النار في لبنان، معلناً أنَّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، رفض خارطة الطريق اللبنانية التي تم التوافق عليها مع المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين، وأن الحراك السياسي لحل الأزمة تم ترحيله إلى ما بعد الانتخابات الأميركية، فالتخوف من تحويل لبنان إلى غزة ثانية صار واجباً، وإلى أن يأتي يوم ما بعد موعد إجراء الإنتخابات الأميركية، يتَّضح مسار الحرب، ووضع أسس جديدة لوقف إطلاق النار، فحتماً سيكون هناك حراك وجولات من المفاوضات وتعثُّر وتقدم، وسيناريوهات أخرى قبل الوصول إلى الحل المنشود، ويبقى مطلب لبنان وقف الحرب اليوم قبل الغد، وهو ما عبّرت عنه كافة القوى السياسية، ليكون الخامس من تشرين الثاني الموعد الفصل، تكون سلسلة الضغوط الخارجية على نتنياهو ومن الداخل قد اكتملت، بعدما كشفت صحيفة جيروزاليم بوست العبرية، بأن المؤسسة الدفاعية تضغط على رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة ولبنان، بعد الإحباط بسبب الخسائر اليومية للجنود.