د.أكرم حمدان – خاص "الأفضل نيوز"
من البديهيات أن يتحرك الإعلام المسؤول للقيام بواجبه الوطني والمهني خلال الأزمات الكبرى، وبما أننا في حالة حرب ومواجهة مع عدو لا يعرف ولا يعترف بالحد الأدنى من قواعد القانون الدولي الإنساني، ولا يلتزم بأي نوع من الأخلاقيات، فإنه من الضروري لا بل من الواجب التذكير بما علينا القيام به كصحافيين وإعلاميين وأكاديميين ومؤسسات إعلامية في هذه الظروف.
من هنا أرى أنه على وزير الإعلام اللبناني زياد مكاري ومعه كل النقابات المهنية المعنية، من نقابة الصحافة ونقابة المحررين ونقابة العاملين في الإعلام المرئي والمسموع والمجلس الوطني للإعلام وأصحاب المؤسسات الإعلامية خصوصاً المرئية والمسموعة وكذلك المواقع الإلكترونية الإخبارية المعتمدة، المبادرة فوراً وبلا تردد إلى عقد اجتماع طارىء لبحث واقع التعاطي الإعلامي مع مجريات العدوان الصهيوني على لبنان، والتذكير بالقواعد القانونية ومواثيق الشرف المهنية والأخلاقية التي سبق وتم التوافق عليها، ومناقشة إصدار ميثاق شرف جديد إذا لزم الأمر، لكي لا يبقى هناك بعض التفلت الذي قد يُهدد الوحدة الوطنية والسلم الأهلي في هذه الظروف العصيبة التي تعيشها البلاد.
إن الحديث عن هذه الأمور ليس تعدياً على الحريات ولا يمس بالقواعد التي تحكم حرية الرأي والتعبير التي يتمتع بها لبنان، وإنما هو أمر مطلوب وملح لحماية الأمن القومي، وهذا ما تلجأ إليه كل دول العالم خلال الحروب ولا سيما الدول التي تدعي بأنها الأكثر تقدمًا وحرية وديموقراطية، فهذه الولايات المتحدة الأميركية لم تكن تسمح بنشر أي معلومة عن غزوها واحتلالها للعراق وأفغانستان وكل الحروب التي خاضتها، إلا بما يسمح به الجيش الأميركي، وهذا العدو الصهيوني الذي يزعم بأنه دولة ديموقراطية يفرض رقابة عسكرية مشددة على كل نواحي ومجريات الحرب والعدوان على لبنان وفلسطين، وخير دليل ما كشفه مؤخراً صحافيون إسرائيليون عن السماح والمنع وكيف أن جيشهم يطلب منهم نشر روايات غير صحيحة عن الحرب.
ولعله من المفيد في هذا المقام التذكير ببعض بنود مواثيق الشرف الإعلامي التي سبق وأعدت خلال الأزمات السابقة التي مر بها لبنان، فمنذ العام 1958 عملت الصحافة في لبنان على ممارسة ما أسمته حينها الرقابة الذاتية وتكررت تلك الممارسة بتسميات ومسميات مختلفة وصولًا إلى مواثيق الشرف الأخلاقية والمهنية خلال الأزمات ومنها ما صدر خلال الأعوام 1961، 1964، 1967، 1973، 1976، 1984، 1991، 1992، 2005، 2006، 2007، 2008، 2009 و2013.
وكانت جميعها تؤكد على احترام القانون والعمل على حماية الوحدة الوطنية وعدم إثارة النعرات الطائفية والتمييز العنصري وتُلزم المشرفين على الأخبار والبرامج السياسية باحترام المبادىء والقيم المهنية ومواثيق الشرف الإعلامية.
وفي العام 2016 صدر أيضاً ميثاق الشرف الإعلامي الإلكتروني، وقد تقاطعت غالبية هذه المواثيق التي كانت تصدر أحياناً عن النقابات أو بالتعاون مع وزارة الإعلام أو حتى بالاشتراكِ مع ممثلي وسائل الإعلام ومنظمات ومؤسسات دولية، حول عناوين أساسية أهمها الامتناع عن نشر أو بث ما يتضمن إساءة إلى المشاعر والرموز الدينية وما يثير النعرات الطائفية والمذهبية، الإحجام عن نشر كل ما يحضّ على العنف الأهلي ويدعو إلى الانتقام ويقيم تمييزاً بين المواطنين على أساس انتماءاتهم واقتناعاتهم، والعمل على تنقية الإعلام من لغة الشجار والتهديد والتحقير والتشهير والبذاءة والتهكم المسيء إلى كرامات الجماعات والأشخاص.
هذه العناوين وغيرها نضعها برسم المعنيين وفي مقدمهم معالي وزير الإعلام زياد مكاري الذي تقع على عاتقه مسؤولية دعوة وجمع المؤسسات والنقابات والمعنيين من أجل التأكيد على الالتزام بالمصلحة الوطنية العليا والأمن القومي ووقف التجاوزات التي يرتكبها البعض عن قصد أو غير قصد والتي تخدم بطريقة أو بأخرى العدو ومخططاته.
فمهنة الصحافة تقتضي الالتزام بشرفها وأخلاقياتها الوطنية بالدرجة الأولى.