كمال ذبيان - خاص الأفضل نيوز
مرَّ شهر على استشهاد الأمين العام لـ "حزبِ اللّه" السَّيد الشهيد حسن نصر اللَّه، وظنَّ رئيس حكومة العدوِّ الإسرائيليِّ، أنَّ باغتياله قضى على المقاومة، فأعطى قراره بأن تبدأ حرب واسعة على لبنان، تُنهي المواجهة العسكريّة بين جيش الاحتلالِ الإسرائيليِّ و"حزب الله" ليعود سكان المستوطنات في شمال فلسطين المحتلّة إليها، وهم غادروها بعد أن أعلن "حزبُ اللّه" مساندته لغزّة بعد عمليّة "طوفان الأقصى" التي نفَّذتها "كتائب القسَّام" في حركة "حماس"، فرأى السَّيد نصر اللَّه بأنَّه ومن الناحية الأخلاقيّة والإنسانيّة والدِّينيّة والقوميّة، وللتأكيد على وحدة ساحات محورِ المقاومةِ، فقد أشغل "حزبُ اللّه" فرقًا من جيش الاحتلالِ في الجبهة الشَّماليةِ مع لبنان، ودمَّر مقرّات وثكنات عسكريّة وأبراج مراقبة، وأجبر حوالي ٧٥ ألف مستوطن على النّزوح، وشلِّ الاقتصاد، وعطَّل عمل المؤسّسات، فشكَّل هذا الوضع عبئًا على قادة العدوِّ الصهيونيِّ، الَّذين كان يُقلقهم وجود "قوَّة الرّضوانِ" التّابعة لـ "حزبِ اللّه"، وهي من نخبة مقاتليه، فطالب العدوُّ الإسرائيليُّ بانسحابها من الشّريط الحدوديِّ، وهي التي تدرَّبت على الدُّخول إلى الجليلِ الفلسطينيِّ المحتلِّ، إذا فرضت ظروف المعركة العسكريِّة.
فمنذ شهر، والحرب التي يشنُّها العدوُّ الإسرائيليُّ على لبنان، كفرض سيطرته على جنوب الليطاني، وإقامة حزامٍ أمنيٍّ فيها، يفسح لسكَّان المستوطنات بالعودة، فإنَّ هدفه لم يتحقَّق كما في غزّة، فـ"حزب الله" يُقاتله عند الحافة الحدوديّة، ويمنع جيش الاحتلالِ من التّقدُّم، وإذا حصل ودخل لنحو ٥٠٠ متر أو أقل وأكثر، فإنّه يعود لينسحب، لأنّه يواجه بمقاومةٍ قويّةٍ، وبضربات موجعة، كما بقصف أهداف لم تعد فقط عسكريّة، بل مدنيّة، ردًّا على قصف المدنيِّين وتدمير المدن والقرى والأحياء، بعد أن أنهى بنك أهدافه العسكري، فارتدَّ إلى بنك أهداف ماليٍّ واقتصاديٍّ وثقافيٍّ وتراثيٍّ، إضافة إلى استهداف المؤسّسات الصِّحيّة وسيّارات الإسعاف، كما المدارس والمساجد والكنائس، في ممارسة للإبادة الجماعيّة، التي قام بها في غزّة، ودانته المحكمة الجنائيّة الدوليّة، كما المؤسَّسات في الأمم المتحدة.
فاستشهاد السَّيد نصراللّه ومعه كوكبة من قادة المقاومةِ، كان له تأثير على "حزب اللَّه" معنويًّا ومادّيًّا، وترك أسئلة حول عمليّة الاغتيال التي سبقها نجاح العدوِّ الإسرائيليِّ بتفجير أجهزة الاتصال بعناصر "حزب اللّه"، وتبع ذلك سلسلة اغتيالات طالت السَّيد نصرالله، وبعده بأيَّام رئيس المجلس التَّنفيذي في "حزبِ اللَّه" السَّيد هاشم صفي الدين، الذي ذُكر بأنَّه سيتولَّى الأمانة العامّة للحزب بعد السَّيد نصراللَّه.
فالمقاومة استعادت، ومنذ استشهاد السَّيد نصراللَّه، وبدء العدوِّ الإسرائيليِّ الحرب على لبنان، زمام المبادرة، وقرار القيادة والسَّيطرة فورًا، ولم يتلكَّأ من تولَّى من البدائل القيادة العسكريّة والسِّياسيّة، عن مواصلة العمل العسكري بخطَّةٍ مرسومةٍ، فانطلقت عمليَّات المقاومة، التي وسَّعت من قصفها للمستوطنات، فوصل القصف الصَّاروخيُّ والمُسيَّرات إلى حيفا بعد أن كان طال صفد وطبريا على بعد ٧٥ كلم، فأفشلت المقاومة أهداف العدوِّ الصهيونيِّ، فلم يعد سكان المستوطنات إلى الشمال، بل زاد عددهم من مستوطنات أخرى، كما لم يتمكّن جيش الاحتلالِ الإسرائيليِّ، من التَّقدُّم البرّيِّ، الذي هدَّد به، وأقام مناوراتٍ عسكريّةً لحصوله، لكنَّه جُوبه بمقاومة من النُّقطة صفر عند الحدود، وسجَّل خلال الأسبوع الماضي مقتل وإصابة نحو ٨٠ ضابطًا وجنديًّا، باعتراف العدوِّ الإسرائيليِّ نفسه، فشكَّل هذا الإنجاز العسكريُّ لـ "حزب الله"، إرباكًا داخل القيادة الإسرائيليّة، فبعد أن أعلن رئيس أركان جيش العدوِّ هيرتسي هاليفي، بأنَّ المعارك مع "حزب الله" شارفت على نهايتها، بعد القضاء على قيادته ومسؤُولي الوحدات العسكريّة فيه، وتدمير نحو ٧٠٪ من قدرته العسكريّة، فإنَّ وزير الحرب يواف غالانت، أعلن قبل أيَّام، بأنَّ إسرائيل تعيش أصعب أيَّامها، وهذا ما خلق شرخًا بينه وبين رئيس حكومته نتنياهو الذي يهدِّد دائمًا بإقالته.
فبعد استشهاد السَّيد نصراللَّه الذي شكَّل خسارة لـ "حزب اللَّه"، لكن ما بناه خلال أكثر من ثلاثة عقود، من مقاومة لها هيكليّتها وإدارتها وخبرتها، فهو يحقِّق بها انتصارات على العدوِّ الإسرائيليِّ.