كمال ذبيان – خاص "الأفضل نيوز"
في كلمةِ رئيسِ الجمهوريّة جوزيف عون أثناء استقبالهِ البابا لاوون الرابع عشر، وردت عبارةُ "أبناء إبراهيم"، وهي ليست من الأدبيّات اللبنانيّة الدينيّة أو السياسيّة التي ترتكز عادةً على مفاهيم العيش المشترك الإسلامي–المسيحي، أو صيغة التعايش التي قام عليها ما سُمّي بـ"الميثاق الوطني"، ومنها انبثقت الديموقراطيّة التوافقيّة التي أرستها مقدّمة الدستور والمادّة 95 منه، والتي تحدّثت عن الطائفيّة السياسيّة كحالةٍ مؤقّتة يفترض العبور منها نحو دولة المواطنة والحقوق المتساوية.
كما أشار اتفاق الطائف في أحد بنوده الإصلاحيّة إلى ضرورة تشكيل هيئة وطنيّة لإلغاء الطائفيّة السياسيّة، إلّا أنّ هذا البند لم يُطبّق. وعبارة "أبناء إبراهيم" التي مرّرها الرئيس عون لا تُخاطب الواقع اللبناني، وليس لها تفسير ديني متّصل بالأدبيّات المحليّة، بل تُحاكي ما هو مطروح في المنطقة تحت عنوان "اتفاقات أبراهام" التي وردت في مبادرة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، المعروفة بـ"صفقة القرن" عام 2019، والتي فتحت الباب أمام دولٍ عربيّة لإقامة تطبيع مع العدوّ الإسرائيلي.
وإبراهيم هو أبو الأديان، والنبيُّ الأوّل الذي ينحدر من سلالته ولداه إسحاق وإسماعيل، اللذان خرج من نسلهما أنبياء لاحقون.
وقد توصّل الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر مع الرئيس المصري الراحل أنور السادات إلى طرحٍ يعتبر أنّ المسلمين واليهود "إخوة"، وهو ما أفسح المجال لعقد اتفاق كامب ديفيد بين مصر والكيان الصهيوني عام 1979، تحت شعار "الأرض مقابل السلام".
إلّا أنّ هذا الشعار نَسَفه رئيسُ الحكومة الإسرائيليّة الحالي بنيامين نتنياهو بعد اتفاق أوسلو بين رئيس الحكومة الإسرائيليّة إسحاق رابين ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات في أيلول 1993، وقد دفع رابين حياته ثمنًا لهذا التوجّه بعدما اعتُبر أنّه تخلّى عن أرضٍ في الضفّة الغربية، التي تسمّيها التوراة "يهودا والسامرة".
وتتقدّم اتفاقات أبراهام اليوم تحت شعار "أخوّة أبناء إبراهيم"، وهو ما تحدّث عنه نتنياهو أمام الأمم المتحدة في أيلول من العام الماضي، فيما يشجّع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الدول العربيّة على الانضمام إليها. وقد طُلِب ذلك أيضًا من النظام السوري برئاسة بشار الأسد، وكذلك من لبنان، بحسب ما نقله موفدون أميركيون، ومنهم توم باراك، أحد أبرز المروّجين لهذا التوجّه.
ويخدم هذا الشعارُ إسرائيل التوراتيّة التي يُقال إنّ حدودها تمتدّ من الفرات إلى النيل، وهي الخريطة التي رفعها نتنياهو أمام الأمم المتحدة متحدثًا عن اقتراب تحقّق مشروع "إسرائيل الكبرى"، بعدما لم يعد يقبل بأيّ انسحاب من الأراضي التي يعتبرها جزءًا من هذه الخريطة.
وأصبح تطبيق اتفاقات أبراهام يحمل عنوان: "اتّحدوا في السماء واتركوا الأرض لإسرائيل"، بما يسمح –وفق هذا الطرح– بأن تصبح إسرائيل "كبرى"، كما طلب ترامب قبل سنوات حين قال إنّه لا يريد لإسرائيل أن تبقى "صغرى". وهذا ما يعمل عليه المحافظون الجدد في الإدارات الأميركية المتعاقبة، ضمن رؤيتهم التي تعتبر قيام "إسرائيل الكبرى" شرطًا لظهور المسيح، وفق معتقدات التيار الإنجيلي الذي يملك حضورًا ونفوذًا قويّين في أميركا.

alafdal-news



