علي دربج - خاص الأفضل نيوز
بعيدًا عن توقعات استطلاعات الرأي لنتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية، والتي ترجح جميعها أن تكون متقاربة إلى حدٍّ لا يمكن تصديقه، مما يرضي طرفًا ويشعل غضب الآخر، فإن السؤال الذي يقلق ويشغل بال الأمريكيين، بل يقضّ مضاجعهم، يتمثل بالآتي: ما الذي سيحدث إذا خسر الرئيس الأسبق دونالد ترامب مرةً أخرى السباق، وبفارق ضئيل عن منافسته كامالا هاريس؟
أمريكا وسيناريوهات خسارة ترامب
إن نسب احتمال حدوث اضطرابات اجتماعية في حال فشل ترامب في الفوز بالكرسي الرئاسي تبدو عالية جدًا، خصوصًا إن كان ترامب وعد بذلك بالفعل.
فالرئيس السابق حينها، لن يكون جالسًا في البيت الأبيض، رافضًا دعوة أنصاره المسلحين إلى التراجع، إنما سيكون في الخارج يشجعهم على النزول إلى الشوارع وصناعة الفوضى.
والأدهى أن الجمهوريين في الكونغرس قد لا يكتفون بوقف عد الأصوات، إنما سيرفضون حتى التصديق على نتائج المجمع الانتخابي.
ومع أنه من المستبعد حدوث اقتتال داخلي بالمعنى العسكري الحرفي، لكن السيناريو الأكثر قربًا من الواقع إذا أخفق ترامب هو الاستمرار في السير على طريق ما أسماه بعض الخبراء والمراقبين "الحرب الأهلية الباردة". وقتها، سيتعين على بلاد العمّ سام، أن تواجه مقاومة مسلحة لرئيس شرعي منتخب بكل قوة من قوات إنفاذ القانون الأمريكية (أي الحرس الوطني والشرطة وحتى الجيش والـFBI)، وأي شيء أقل من ذلك سيكون بمثابة دعوة للفوضى.
وما هو شكل "الحرب الأهلية الباردة"؟
عمليًا، ما يتحدث عنه الإعلام الأمريكي بشأن هذه الحرب الأهلية الباردة، يبدأ بمواجهة بدون حدود أو وقوع معارك خفيفة في ساحات قتال معترف بها، حيث يسيطر طرف على جهاز الحكومة الفيدرالية والسلطة، بينما يقيم الطرف الآخر كونفدرالية مقاومة فضفاضة.
لقد حدث نوع من الانفصال منذ فترة بالفعل. لكن لا يتعلق الأمر بالشأن المادي، مع الاستيلاء على مستودعات الأسلحة وما شابه ذلك، بل سيكون عبارة عن ثورة داخلية، حيث تفضّل المجتمعات الريفية أو الحضرية (واعتمادًا على الحزب السياسي الذي تواليه أو تؤيّده)، العيش خارج نطاق سلطة حكومة تعتبرها معادية.
من هنا، فالولايات المتحدة ليست بعيدة عن هذه الظواهر والتمردات، وقد شهدت أمريكا بدايات ذلك خلال جائحة عام 2020، عندما عارضت بعض الولايات المحافظة المبادئ التوجيهية الفيدرالية الخاصة بالالتزام بوضع المواطنين للكمامات الطبية وحتى عمليات التلقيح.
كما رأينا ذلك في "مدن الملاذ الآمن" حيث أعلنت الحكومات المحلية اليسارية، أنها خارج نطاق السياسة الفيدرالية. أيضًا، حدث هذا، في الفترة التي أعقبت سقوط قضية "رو ضد وايد"، بعدما حاول عدد من الولايات الأمريكية القضاء بقوة على إمكانية الإجهاض داخل حدودها.
أما خطوط هذه المعركة الداخلية، فقد تتركز إما في ولاية تكساس أو تينيسي.
وماذا عن فوز ترامب واستخدام الجيش الأمريكي بالمثل، لن تختلف خسارة ترامب عن فوزه الذي يتوجس منه الكثير من المواطنين والقيادات والنخب السياسية الأمريكية، كونه سيكون بالنسبة لهم نذير شؤم، ويخشون بالدرجة الأولى أن يلحق ضررًا كبيرًا بالجيش الأمريكي في وقت تكون الحاجة إليه أشد من أي وقت مضى لحماية الولايات المتحدة وحلفائها من التهديدات المتصاعدة في الخارج.
أما سبب ذلك، فيرتبط بتهديداته باتخاذ إجراء عسكري ضد خصومه السياسيين، الذين يسميهم "العدو من الداخل".
وتبعًا لذلك، قال وزير الأمن الداخلي السابق في إدارة ترامب ورئيس أركان البيت الأبيض آنذاك، الجنرال المتقاعد من مشاة البحرية جون إف. كيلي، لصحيفة "نيويورك تايمز" هذا الشهر، إننا بحاجة إلى أن نأخذ مثل هذه التحذيرات على محمل الجد، لأن الرئيس السابق ينطبق عليه تعريف "الفاشي" ويفضل النهج الدكتاتوري على الحكومة.
وبالفعل، حاول ترامب نشر الجيش الأمريكي ضد المتظاهرين في واشنطن في عام 2020، حينما طالب الرئيس القوات "بإطلاق النار على أرجلهم أو شيء من هذا القبيل"، وفقًا لوزير دفاعه مارك تي إسبر.
وقد أدت معارضة إسبر ورئيس هيئة الأركان المشتركة في ذلك الوقت، الجنرال مارك ميلي، إلى تجنب إراقة الدماء المحتملة.
بناءً على ذلك، من غير المرجح أن يعين ترامب، في فترة ولايته الثانية، أي شخص في منصب رفيع من شأنه أن يكبح غرائزه الاستبدادية. لذا، أحد الأسماء التي يتم ذكرها كوزير دفاع محتمل لترامب هو السيناتور توم كوتون (الجمهوري من أركنساس)، الذي كتب خلال مظاهرات جورج فلويد عام 2020 تعليقًا سيئ السمعة في صحيفة "نيويورك تايمز" بعنوان "توم كوتون: أرسلوا القوات"، متحدثًا عن ضرورة وقف أعمال النهب والعنف.
أكثر من ذلك، من المتوقع أن يمنح ترامب، في حال إعادة انتخابه، وظائف وزارة الدفاع لشخصيات أكثر تطرفًا من كوتون. وقد تشمل قائمة المرشحين أفرادًا مثل كاش باتيل ـــ المؤيد المتحمس لحركة MAGA (وهي اختصار لعبارة "لنجعل أمريكا عظيمة مجددًا") ــــ الذي عُيّن رئيسًا لموظفي وزير الدفاع في الأيام الأخيرة من الولاية الأولى لترامب، وأنتوني جيه تاتا، الذي أصبح مستشارًا كبيرًا لوزير الدفاع رغم تاريخه الطويل في التعليقات العنصرية ونظريات المؤامرة (والتي دفعت حتى مجلس الشيوخ الجمهوري إلى منع ترشيحه كنائب لوزير الدفاع).
والأسوأ، أن ترامب صرّح بأنه سيعيد اللواء المتقاعد مايكل فلين، مستشاره السابق للأمن القومي الذي أثار جدلاً واسعًا، والذي أصبح من أبرز المروجين لنظريات المؤامرة المتعلقة بحركة QAnon.
تداعيات استخدام ترامب للجيش الأمريكي
في الحقيقة، إذا طلب ترامب استخدام القوة العسكرية ضد خصومه السياسيين، فالأرجح أن يكون المعيّنون مثل باتيل وتاتا وفلين متحمسين لتنفيذ مآرب الرئيس السابق.
عندها، سيكون القرار بيد الضباط العسكريين فيما إذا كانوا سيمتثلون للأوامر.
المثير أن أيًا كان الخيار الذي سيتخذونه، فإنه سيؤدي بالنهاية إلى أزمة حادة في العلاقات المدنية-العسكرية: فإذا استجاب هؤلاء لمطالب ترامب، فسيتعين على أعضاء الجيش انتهاك قسمهم بالدفاع عن الدستور.
أما إذا رفضوا تنفيذ أوامره، ينبغي عليهم الاستعداد لمواجهة محاكمات عسكرية بتهمة عصيان الأوامر. وقد يختار بعض الضباط الكبار التقاعد لتجنب مثل هذا المأزق المؤلم.
في المحصلة:
مهما كانت النتائج، فإن فوز أو خسارة ترامب سيأتي بالوبال والخراب على الشعب الأمريكي أولاً، والمؤسسات الأمريكية ثانيًا، لا سيما الجيش الذي سيجد نفسه وسط دوامة من الجدل المثير للانقسام العميق، حول متى وكيف يمكن نشره على الأراضي الأمريكية. وهذا بدوره، سيعمل على خلخلة الأسس التي تقوم عليها هذه المؤسسة.
من هنا، يأخذ العديد من النخب الإعلامية والثقافية والسياسية الأمريكية، هذه السيناريوهات على محمل الجد، حيث يعتبرون عودته للبيت الأبيض خطرًا واضحًا ومباشرًا، ليس فقط على الديمقراطية الأمريكية، ولكن أيضًا على القوات المسلحة الأمريكية.