كمال ذبيان - خاص الأفضل نيوز
بات رئيس "تيَّار المردة" سليمان فرنجية، خارج التَّنافس على رئاسة الجمهوريّة، وهو يشبه الكثير من المرشَّحين الجدّيّين لرئاسة الجمهوريَّة، إن اقتربت منهم، وفي الرُّبع الأخير من السَّاعة ابتعدت، كمثل التَّجربة التي عاشها حميد فرنجية وهو شقيق جدّ سليمان، إذ كان مرشّح المعارضة الممثَّلة بـ "الجبهة الاشتراكيّة الوطنيّة" التي تشكَّلت ضدَّ عهد الرئيس بشارة الخوري صيف ١٩٥٢، وتمكَّنت بالاعتصامات والتَّظاهرات، من أن تفرض عليه الاستقالة في أيلول من العام نفسه، وسمَّت أطراف في المعارضة حميد فرنجية رئيسًا للجمهوريّة لكن كميل شمعون الذي كان عضوًا في الجبهة قرَّر التَّرشُّح، ودعمه كمال جنبلاط الذي كان حليفه في الجبهة أيضًا، وهو ابن منطقته، دير القمر في الشوف، فانسحب فرنجية، وفاز شمعون بتقاطع بريطاني - سوري.
فسليمان فرنجية يردِّد دائمًا أن الظُّروف السِّياسيّة، والوقائع العربيّة والإقليميّة والدوليّة، هي التي تقف وراء وصول رئيس الجمهورية في لبنان، الذي كان دائمًا صناعة خارجيّة منذ الاستقلال عام ١٩٤٣، إلى آخر رئيس جمهوريّة العماد ميشال عون، إذ أنَّ فرنجية حفيد الرئيس سليمان فرنجية الذي انتخب بفوزه بصوت واحد على منافسه الياس سركيس عام ١٩٧٠، فإنَّه كاد أن يصل إلى الرِّئاسة الأولى عام ١٩١٦، عندما اتصل به الرَّئيس فرنسوا هولاند مباركًا له برئاسة الجمهوريّة، وكان يحظى بتأييد من "تيار المستقبل" برئاسة سعد الحريري ومن رئيس الحزب التّقدُّمي الاشتراكيّ السَّابق وليد جنبلاط، إضافة إلى الرَّئيس برّي، لكن "حزب الله" خالف التَّوقعات، وأيَّد ترشيح العماد ميشال عون، لأنَّ أمينه العام الرَّاحل الشَّهيد السَّيد حسن نصرالله، كان وعد عون بأنَّه يقف إلى جانبه في ترشُّحه لرئاسة الجمهوريّة، ولأن وعد السَّيد نصرالله صادق، فإنَّه تمنّى على فرنجية الانسحاب من المعركة الرئاسيّة، وترك له حريَّة تأييده، ففاز عون بالرِّئاسة، بعد أن نال تأييد الحريري عبر تفاهم مع "التَّيار الوطني الحرّ" برئاسة جبران باسيل، وحصول "اتفاق معراب" بين حزب "القوات اللبنانيّة" برئاسة سمير جعجع، والتَّيار الحرّ، وانتخب عون لرئاسة الجمهوريّة، على أن يكون فرنجية المرشَّح الطَّبيعي للثُّنائي "أمل" و"حزب الله" بعد انتهاء ولاية الرئيس عون، وهذا ما حصل بترشيحهما لفرنجية، الذي تمَّ تعليق جلسات الانتخاب من قبل الرئيس برّي، علّ الظُّروف تتغيَّر لصالح فرنجية، ويحصل توافق حول اسمه، لكن هذا لم يحصل، لأنَّ الأصوات حصل عليها فرنجية وهي ٥١ صوتًا، لم ترتفع لتصل إلى ٦٥ صوتًا، ويفوز بالنِّصف زائد واحد من أصوات النّواب، وجاءت الحرب الإسرائيليّة على لبنان، وحصلت تطوّرات في سوريا، أدَّت إلى أن يترك الرئيس بشار الأسد الرِّئاسة ويغادر إلى موسكو، بعد أن تمكَّنت "الجماعات المسلَّحة" من المعارضة من اجتياح محافظات كحلب وحماه وحمص، وكانت تسقط دون مقاومة، وهذا ما أجبر الأسد على السفر بشكل مفاجئ.
من هنا، فإنَّ الظُّروف تغيَّرت على مستوى التَّوازن السِّياسي الدَّاخلي، وعلى من يحكم سوريا، التي وقعت تحت سيطرة "هيئة تحرير الشَّام" بقيادة أحمد الشرع (الجولاني)، ولم يعد فرنجية ورقة رابحة، فقرَّر هو الانسحاب بكامل إرادته، ودون طلب من أحد، ولم يصدر عن حليفيه "أمل" و"حزب الله" أيُّ موقف يلمِّح بأنَّهما تخلَّيا عنه، بل استمرَّا في الإعلان أنه مرشَّحهما، إلى أن يقرِّر هو الانسحاب، وهذا ما فعله بعد قراءته لظروف ترشيحه وحظوظ فوزه، فرأى أنه من الأفضل أن لا يستمرّ في ترشُّحه، وسمَّى النّائب فريد هيكل الخازن، وهو عضو في الكتلة النيابيّة التي يترأَّسها النائب طوني فرنجية.
فخروج فرنجية من السِّباق الرِّئاسيّ، يقع في الواقعيّة السِّياسيَّة التي يعمل وفقها، فقرأ التَّطوُّرات المتسارعة في لبنان والمنطقة، ورأى بأنَّها غير مؤاتية لوصوله إلى القصر الجمهوري فعزف عن التَّرشُّح.