طارق ترشيشي - خاصّ الأفضل نيوز
لم يبق من هدنة الشهرين المعول عليها في الجنوب بموجب وقف إطلاق النار الذي يبدأ في 27 تشرين الثاني الفائت سوى شهر تقريبا في الوقت الذي تواصل إسرائيل خرق هذه الهدنة بالتقدم بريًّا في المنطقة الجنوبية إلى الأماكن التي عجزت عن احتلالها خلال الحرب نتيجة التصدي الشرس لها من رجال المقاومة، وتفجير المنازل والبنى التحيتة والفوقية في كل قرى الحافتين الأولى والثانية من الحدود مع لبنان، متذرعة بأنها تدمر البنى العسكرية الموجودة للمقاومة في هذه المنطقة.
لكن السؤال الذي يطرحه الجميع الآن هو: هل إن جيش الاحتلال الإسرائيلي سينسحب تنفيذا للقرار الدولي 1701 من هذه المناطق التي يحتلها ويدمرها الآن في نهاية فترة الهدنة؟ أم أنه سيبقي على احتلاله لها لتكون جزءا من جغرافيا "إسرائيل الكبرى" التي يعمل بنيامين نتنياهو على إقامتها ضمن الشرق الأوسط الذي قال إنه يخوض الحرب لـ"تغيير وجهه" ليضم هذه الأراضي اللبنانية لاحقا إلى الأراضي السورية الجديدة التي احتلها في الجنوب السوري ووصل إلى مسافة عشرين كيلومترا من دمشق، على أن يضيف إليها لاحقًا الضفة الغربية وقطاع غزة وأراض أردنية وسعودية، والتي قال الوزير المتطرف بسلئيل سموتريتش قبل أسابيع إنها من أرض "إسرائيل التاريخية"؟
يقول مصدر ديبلوماسي متابع للمواقف السياسية والتحركات الميدانية الإسرائيلية لموقع "الأفضل نيوز" إن نظرة المعنيين من مسؤولين وسياسيين لبنانيين وغير لبنانيين إلى ما ترتكبه إسرائيل من خروقات للهدنة ووقف إطلاق النار هي نظرة تشاؤمية وتبعث على الخوف من تجدد الحرب بعد انتهاء فترة الهدنة في 27 كانون الثاني المقبل والتي التزمها حزب الله منذ اللحظة الأولى، فيما إسرائيل لم تلتزمها بعد في أي لحظة، وإن لجنة مراقبة وقف النار الخماسية التي شُكِّلت برئاسة الولايات المتحدة الأميركية تحديدا لتكون فاعلة في مهتمها لم تردع إسرائيل بعد عن أي خرق، بل إن جيش الاحتلال الإسرائيلي يرتكب الخروقات اليومية وحتى أثناء اجتماعات هذه اللجنة في مقر قيادة قوات "اليونيفيل" في الناقورة غير آبه بها ولا باجتماعاتها إلى درجة أنه ارتكب مثل هذه الخروقات في بلدة الناقورة على بعد مئات الأمتار من مكان انعقادها.
ولكن ما يخفف منسوب المخاوف من عدم الانسحاب واستمرار الاحتلال حتى الآن، حسب المصدر الديبلوماسي، هو أن الجيش الإسرائيلي لا يدشم ولا يقيم أي تحصينات دائمة في المناطق التي يعمل فيها تفجيرا وتدميرا تدل على أنه سيُبقي على احتلاله لها بعد انتهاء فترة الهدنة، ولذا من الصعب التكهن من الآن بعدم انسحابه منها لاحقا التزاما بتنفيذ القرار 1701.
ويضيف المصدر الديبلوماسي أن تقدير الموقف لدى المعنيين حتى الآن يشير إلى أن الإسرائيلي في ما يقوم به في المنطقة التي يحتلها يبرره بأنه يمشطها ويدمر كل ما يعثر عليه من بنى تحية وفوقية عسكرية لحزب الله فيها حتى لا تبقى فيها أي منشأة عسكرية من انفاق أو مخازن أسلحة وغيرها يمكن للحزب أن يعود إليها ويستخدمها بعد انتهاء الهدنة والبدء بتنفيذ مندرجات القرار الدولي 1701 ، وذلك بعيدا من عيون لجنة المراقبة وقوات الجيش اللبناني و"اليونيفيل"، كذلك بعيدا من عيون إسرائيل التي ستبقي الحافتين الأولى والثانية من الحدود تحت الرصد والمتابعة لديها بمعزل عن لجنة المراقبة الخماسية وذلك في ضوء ما أعطتها الولايات المتحدة الأميركية من "ضمانات" خارج الاتفاق على وقف إطلاق النار.
على أن المصدر الديبلوماسي نفسه لا يستبعد أن تتملص إسرائيل من التزام تنفيذ القرار 1701 بعد الهدنة إلى أمد غير معلوم، خصوصا إذا نشبت حرب إقليمية كبرى في حال هاجمت بالتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية إيران لتدمير منشآتها النووية التي ترى فيها "خطرا وجوديا" عليها يكرر نتنياهو الحديث عنه في كل مناسبة.
كذلك يستبعد المصدر أن تلتزم إسرائيل في المطلق بأي اتفاق طالما أنها تعلن بالتنسيق المسبق مع الولايات المتحدة الأميركية استمرارها في الحرب لـ"تغيير وجه الشرق الأوسط "، حسب تعبيرها، ولـ"بناء شرق أوسط جديد" حسب التعبير الأميركي، فربما تكون مصلحتها المرحلية اقتضت "التهدئة" بعض الشيء في لبنان، وانتقلت إلى سوريا حيث دمرت كل المقدرات العسكرية السورية التي كان قد راكمها النظام السابق من مال الشعب السوري، وجعلت من سوريا دولة منزوعة السلاح بحيث إنه سيكون صعبا على السلطة الجديدة امتلاك مثل هذه المقدرات التي تبلغ قيمتها آلاف المليارات من الدولارات على مدى عشرات السنين.
ومن المتوقع أن تنتقل إسرائيل إلى جبهات أخرى لاحقا وصولا إلى إيران طالما أنها تتصرف بعقلية "المنتصر" وتحظى في ما تقوم به بدعم أميركي وغربي بلا حدود، من دون أن يلزمها أحد بأي هدن أو اتفاقات بدليل "اتفاقها" الهش الأخير مع لبنان والذي تخرقه يوميًّا، وعلى مدار الساعة.