عبدالله قمح _خاصّ الأفضل نيوز
مجموعة تفسيرات ربما تدفع إلى فهم الأسباب التي يتخذها جيش العدو الإسرائيلي مبررات للتوغل عميقاً في القرى الواقعة جنوب الليطاني. أولاً محاولة إظهار عمق يده في التدخل عسكرياً في الجنوب، ومن شأن هذه القضية أن توحي بأنه يتمتع بحرية حركة معينة بشكلٍ معزول عن قرار وقف الأعمال العدائية. الثانية توليه، شخصياً، مهمة البحث عن مواقع ومنشآت المقاومة والقيام بعمليات تفتيش وتدمير، وهو ما حصل في بلدة القنطرة مثلاً، ثالثاً فرض أمر واقع يشبه ما فرض في سوريا خلال الأعوام الماضية.
ما نقل إلى لبنان خلال المدة الأخيرة كأجوبة في شأن استفسارات طلبها لبنان لمسألة استئناف العدو خروقاته، فهم منها أن تل أبيب تعتبر أنها تلتزم بقرار وقف الأعمال العدائية، من خلال اتخاذها قراراً بوقف هجومها الكبير باتجاه القرى الجنوبية، ووقف الطلعات الجوية ذات الأهداف الحربية، والمقصود هنا عمليات القصف في الضاحية الجنوبية وبيروت أو البقاع ووقف خرق جدار الصوت. في المقابل، يتذرع العدو بأن ما يقوم به من تحركاته داخل قرى الجنوب يأتي كنتيجة طبيعية لتلكؤ لبنان وجيشه عن تطبيق الالتزامات الموكلة إليهم ضمن الصيغة، لاسيما مسألة تفكيك منشآت حزب الله ومواقعه جنوب الليطاني ومن ثم الإشراف على انسحاب الحزب نحو شمال الليطاني كمرحلة أولى. هذه المسألة يبنى عليها الكثير، في شأن تبرير العدو استمرار احتلاله للقرى الجنوبية أو قيامه بعمليات تفجير، وفيما بعد تبرير بقائه في لبنان حتى بعد انقضاء مهلة الـ60 يوماً المشروطة لتنفيذ الاتفاق، بذريعة أن المهمة لم تكف لتطبيق الاتفاق وما زال يتعين تنفيذ أعمال، وإننا نحتاج إلى مهلة إضافية، قد يصار في ضوئها إلى تمديد المهلة، أي عملياً تمديد احتلال العدو للجنوب، وتمديد منح العدو تفويضاً في مهمته تولي دور "المفكك" لبنية المقاومة وليس الجيش اللبناني، "العاجز" عن أداء هذا الدور وفق المنظور الأميركي – الإسرائيلي، خاصة وأن أصواتاً ارتفعت في بيروت "شككت" في قدرة الجيش على تنفيذ مهمة تفكيك منشآت المقاومة!
وبالتالي يعتبر العدو أنه يقوم بدور الجيش اللبناني ولا يعتبر تحركه الحالي ضمن الجنوب خرقاً للاتفاق. ويزعم أنه حينما يقرر الجيش اللبناني البدء في عمليات "الدهم" يبدأ الجيش الإسرائيلي انسحابه تدريجياً.
إذاً ما يمكن فهمه أن العدو يجد لنفسه تفسيراً خاصاً لقرار وقف إطلاق النار من خارج النص الاساسي الذي جرى الاتفاق حوله، ولا يتطابق مع واقعه ولا مع ما فاوض عليه لبنان وأيضاً لا ينبطق وما تبلغه لبنان من أهداف لوقف إطلاق النار. وقد عبر لبنان عن استهجابه لهذا التفسير الإسرائيلي. ما يزيد القضية تعقيداً أن اللجنة المكلفة مراقبة وقف الأعمال العدائية التي يرأسها ضابط أميركي وبعضوية ضابط فرنسي، تميل إلى التفسير الإسرائيلي منه إلى التفسير اللبناني، بدليل أنها، سألت خلال دعوتها لاجتماع مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في السراي الكبير الأسبوع الماضي، عن الإجراءات المتبعة من قبل الجيش لتفكيك هذه المنشآت والإطار الزمني الموضوع لأجل إتمام هذه المهمة! إذاً ما بات الساسة في بيروت بجوه، أن اللجنة الحالية تكاد تكون أقرب إلى اللجنة الثلاثية التي كانت تعقد اجتماعات شهرية في مقر الأمم المتحدة في الناقورة، بحيث لا تمتلك صلاحية إلزام العدو الإسرائيلي التراجع عن خرق أو منعه من تنفيذ خروقات، إنما مهمتها محصورة في متابعة الخروقات معه، وتسجيلها وتسجيل ملاحظات حولها تمهيداً لطرحها في اجتماع "خماسي"، وإن الميزة الوحيدة التي تتمتع بها هي التواصل بشكل فوري ومباشر مع العدو لمتابعة مسألة خرق معين في حال طلب لبنان منها التدخل رسمياً، وتقوم، بطريقة التمني وليس الإمرة، الطلب إلى إسرائيل الانسحاب أو التراجع من نقطة معينة من دون تحديد وقت.
أداء اللجنة ومن الجهة الأخرى العدو يختلفان عن الأداء اللبناني أو حتى أداء المقاومة، ما يوجب على الطرف اللبناني إعادة قراءة أسلوب تعاطيه سواء مع اللجنة أو مع العدو الإسرائيلي، إلى جانب الطلب من الجهة الضامنة للاتفاق أي عاموس هوكشتين تقديم تفسيرات واضحة حول القرار وآليات تنفيذه، وإبلاغ هذه الآليات إلى تل أبيب ودعوتها للالتزام منها ودعوة اللجنة إلى التقيد بما اتفِق عليه مع لبنان وليس ما يصدر عن تل أبيب من تفسيرات.
ومن المعلوم أن حزب الله عمّم على عناصره الالتزام كاملاً بمندرجات قرار وقف الأعمال العدائية، بما في ذلك التراجع عن المنشآت والنقاط والمواقع العائدة لهم، وتجنب عدم الرد بشكل تلقائي على أي نوع من الخروقات يقوم بها العدو، ومراجعة القيادة وانتظار أي أمر يصدر عنها، وهي الأجواء نفسها التي تم إبلاغها إلى الحكومة اللبنانية وإلى الجيش اللبناني أيضاً، والتي فهم منها التزاماً كاملاً من جانب حزب الله احتراماً للقرار ولتعهداته إزائه، مع تذكير الحزب بأن باتت مهمة حماية الجنوب تقع، منذ الآن وصاعداً، على الحكومة اللبنانية والجيش اللبناني، وعليها التعامل بالطريقة التي يرونها مناسبة إزاء التعديات والخروقات التي يقوم بها العدو. لكن يبدو أن الحكومة، عاجزة بالكامل عن التعامل مع الخروقات الإسرائيلية وإحدى العلامات تجنبها إعطاء إذن للجيش اللبناني في التعامل عسكرياً مع أي خرق، وهو ما أجبر الجيش مثلاً على اتباع الطرق السلمية في محاولة التصدي للتوغلات، من خلال الاستعانة بوحدات من اليونيفيل وقطع الطرقات أمام جنود العدو، أو من خلال الانتشار عسكرياً في مواقع يتوغل فيها العدو من دون التصدي له عسكرياً.