يحيى الإمام - خاصّ الأفضل نيوز
رُبَّ سائلٍ يسألُ : كيف انتصرت غزةُ هاشم رغم هذا الدمار والقتل والتهجير والتشريد والتجويع والحصار؟ والحقيقة أن هذا السائلَ لا يميّز بين معارك الجيوش النظامية بين الدول والجيوش ذات الإمكانات المتكافئة أو شبه المتكافئة وبين معارك المقاومة والاحتلال، ولا يفقه أبجديات المقاومة على امتداد التاريخ، والجواب بكل بساطةٍ واختصار : حين يخفق العدوان في تحقيق أهدافه رغم قوته وجبروته وتثبت المقاومة حتى اللحظات الأخيرة ولا تنكسر إرادتها أو تلين قناتها، تكون المقاومةُ قد انتصرت بلا شكًّ وبكلِّ تأكيد.
لقد حدّد العدوُّ الصهيونيُّ أهدافه في العدوان على قطاع غزة بعد السابع من أكتوبر المجيد في العام الفائت وكان يصرّح عنها في كل مناسبةٍ على ألسنةِ قادته، ولا سيما المتطرفين منهم، ويمكن اختصارها بأربعة أهداف وهي :
1- القضاء على حماس وعلى كل فصيل مقاوم في غزة.
2- استعادة الأسرى أو " الرهائن" الإسرائيليين، على حد تعبيرهم، أحياء سالمينَ ورفض أي حديث عن صفقة للتبادل.
3- تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة أو التطهير العرقي والإبادة الجماعية.
4- نزع سلاح المقاومة وإبعاد حماس عن السلطة وتعيين إدارة جديدة للحكم الذاتي ترضى عنها إسرائيل وتتعاون معها.
لم يحقق العدوّ أيًّا من هذه الأهداف الأربعة التي أعلن عنها، وقد صمدت المقاومة الفلسطينية، رغم ارتقاء آلاف الشهداء والجرحى وتدمير البيوت والمستشفيات ورغم سياسة التجويع والتهويل والتخويف والحصار، وقارعت الاحتلال بإمكاناتٍ ذاتية متواضعة، وبدعمٍ وإسناد من غيارى اليمن ولبنان والعراق وإيران، والذين استحقوا شكرَ القيادي الغزاوي خليل الحيّة منذ أيام في خطابه الجامع عبر وسائل الإعلام، ويمكن القول بأن القائد خليل الحية قد أنصف المقاومين والقادة الشهداء وسائر المؤيدين في معركة الإسناد، ولم ينس شكر المفاوضين والوسطاء من الإخوة المصريين والقطريين، ولكن يبقى السؤال : هل كان لهؤلاء المفاوضين أن ينجحوا في الوصول إلى نتيجة مُرضية على مدى سنة ونصف السنة لولا تضحيات المقاومة وثباتها وتكبيدها للعدو الصهيوني الخسائر البشرية والاقتصادية الهائلة لأول مرة في تاريخ الصراع؟
لقد تكبّد العدو من الخسائر آلافَ القتلى في صفوف ضباطه وجنوده، ومن هذه الخسائر ما أعلن عنها ومنها ما لم يعلن، حسب قول محلّلين إسرائيليين، كما قدّرت الخسائر، حسب خبراء العدو، بقيمة 80 مليار دولار، توزعت على المجالات العسكرية والزراعية والتجارية والصناعية والسياحية والتربوية أو الخسائر الاقتصادية بشكل عام نتيجة الشلل الذي أصاب الموانئ والمطارات والمعامل والمصانع والمدارس والجامعات وغيرها...
وليس أدلَّ على انتصار الجرح على السيف من تصريحات بن غفير وسيموتريتش واللّذين ينويان الانسحاب من حكومة نتنياهو إذا ما تمت صفقة تبادل الأسرى لأنهما يعتبران أن في إتمامها رضوخ لمطالب حماس وإعلان لرضوخ إسرائيل وهزيمتها، حيث يقول بن غفير : " إن التشبث بأهداف الحرب هو ما يعيد مختطفينا وإن الصفقة الحالية هي إعلان هزيمة لإسرائيل لأنها تطلق سراح مئات القتَلة الفلسطينيين، حسب تعبيره، وتقر الانسحاب من فيلادلفيا ووقف الحرب وستنهي كل إنجازاتنا" .. ويضيف بن غفير : " يجب منع المساعدات الإنسانية عن غزة بالكامل من أجل إعادة المخطوفين وإنني أدعو نتنياهو إلى التروي ووقف هذه الصفقة السيئة وعدم إعادتنا إلى الوراء " ويختم بقوله : " إن الفرحة التي تابعناها في غزة والضفة الغربية تظهر من هو الذي خضع في هذه الحرب "...
وعليه فليتوقف المزايدون والمراقبون والساخرون من غير المعنيين بالصراع والقضية الفلسطينية عن ترهاتهم وتشكيكهم وانتقاداتهم، وليتقوا الله فيما تبقى من شرف وكرامة في هذه الأمة العنيدة المضحية،" فلا يفتي قاعد لمجاهد "، وآخر الكلام : الحمد لله حمداً يوافي نعمه لأننا ننتمي إلى أمةٍ استحقت احترام شعوب الأرض بفضل ثبات مقاوميها وعنادهم ورفضهم للخنوع والخضوع لأعتى قوة في الأرض، وإنه لجهاد ، وإنه لعناد بالسلاح أو بغيره حتى تحرير الأرض والمقدسات...