ملاك درويش - خاصّ الأفضل نيوز
ملامح الحياة اليومية للبنانيين تغيّرت، وكان للسياحة نصيب كبير في ذلك بعدما شملت هذه التغييرات مختلف القطاعات، بما فيها السياحة.
ومع ارتفاع أسعار تذاكر السفر إلى الخارج نتيجة تدهور سعر صرف الليرة وارتفاع التكاليف بالدولار، وتدني الرواتب.. أصبحت السياحة الداخلية خيارًا متاحًا للكثيرين، وخاصة للطبقة المتوسطة التي كانت تعتمد في الماضي على قضاء عطلاتها خارج البلاد.
لكن، هل هذا التحوّل نحو السياحة الداخلية يُعدّ خيارًا بديلًا فعليًا أم مجرد حلّ اضطراري فرضته الظروف؟
للإجابة على هذا السؤال، قمنا بجولة ميدانية إلى بعض المناطق السياحية البارزة في لبنان، حيث التقينا بأصحاب المنتجعات، والمطاعم، وروّاد السياحة المحليين.
“كلفة أقل، لكن الخيارات محدودة”
عند زيارتنا لبلدة بيت الدين، التقينا بسامر، موظف مصرفي سابق، وهو يقضي عطلة نهاية الأسبوع مع عائلته في أحد المنتجعات الجبلية.
يقول سامر:
“لم أعد أستطيع تحمّل تكاليف السفر إلى الخارج كما كنت أفعل سابقًا، لذلك اخترت السياحة الداخلية. لكن حتى هنا، الأسعار باتت مرتفعة. تكلفة ليلة واحدة في منتجع بسيط تعادل نصف راتبي الشهري.”
سامر أشار إلى أن الخيارات أصبحت محدودة، حيث تتركز السياحة الداخلية في أماكن معروفة مثل فاريا، وطرابلس، والبترون، مع غياب التنوع الكافي في الأنشطة.
من جهة أخرى، يرى بعض أصحاب المنشآت السياحية في الأزمة فرصة لدعم الاقتصاد المحلي. ويقول صاحب مطعم في البترون، إن الإقبال المتزايد على السياحة الداخلية ساهم في تحريك عجلة الاقتصاد. حيث اعتبر أنّ: “اللبناني اليوم يبحث عن تجربة ممتعة بتكاليف مقبولة. نحن نحاول توفير عروض تناسب الجميع، خاصة للعائلات، لكننا نصطدم بارتفاع التكاليف التشغيلية.”
التقينا أيضًا بمريم، معلمة مدرسة، وهي تستمتع بجلسة عائلية في منطقة المينا- طرابلس.
وتقول مريم:
“السياحة الداخلية ليست فقط خيارًا اقتصاديًا، لكنها فرصة لاكتشاف جمال بلدنا. هناك أماكن لم أزرها من قبل، واليوم أصبحت أستمتع بالطبيعة والهدوء وأقدّر قيمة وطني..”
وتضيف: “صحيح أن التكلفة أقل مقارنة بالسفر، لكن المشكلة أن الخدمات في بعض الأماكن لا ترقى إلى التوقعات. نحتاج إلى اهتمام أكبر بالبنية التحتية.”
وفي السياق نفسه، وبحسب تقرير حديث صادر عن وزارة السياحة اللبنانية، شهدت السياحة الداخلية نموًا بنسبة 35% خلال الأعوام الثلاثة الماضية. ومع ذلك، لا تزال تعاني من تحديات كبيرة، أبرزها ارتفاع كلفة المواصلات، وغياب الاستثمار في البنى التحتية، وانخفاض مستوى الخدمات في بعض المناطق.
فهل السياحة الداخلية هي الحل؟
تبدو السياحة الداخلية في لبنان خيارًا مفروضًا على الطبقة المتوسطة أكثر من كونها بديلًا ممتعًا. ورغم أنها تسهم في تحريك العجلة الاقتصادية وتتيح للبنانيين فرصة لاستكشاف بلدهم، إلا أنها تواجه عقبات تجعلها بعيدة عن أن تكون الحل الأمثل.
يبقى التحدي الأكبر هو تطوير هذا القطاع ليصبح فعلاً خيارًا مستدامًا، بحيث لا تقتصر التجربة على التكاليف المقبولة، بل تتوسع لتشمل جودة الخدمات وتنوع الخيارات.
فلبنان، بجماله الطبيعي وتراثه الثقافي، يملك كل المقومات ليكون وجهة مميزة، لكن المسألة تحتاج إلى تخطيط ودعم حقيقي.