مفيد سرحال - خاصّ الأفضل نيوز
وانتصرت غزة ومعها لبنان وخيار المقاومة بعد شلال من دم مهراق وتضحيات جسام مقابل سيل من الاجتهادات والتنظير الذرائعي المنغمس في سردية ومصطلح انهزامي ينزع الصفة عن الموصوف.
والحال، يتكئ أصحاب هذا الرأي التبخيسي على مكيال الأضرار التي لحقت بالشعبين اللبناني و الفلسطيني حجرا وبشرا وإشاحة النظر عن الأبعاد الاستراتيجية للحرب وآثارها ونتائجها وإجهاض أهدافها في خضم هكذا صراع التحقت بقطاره أمم ودول عظيمة الإمكانات هائلة القوة التدميرية، وجعبتها التسليحية تمثل آخر ما توصل إليه العقل الغربي في المجالات التقنية وأدوات القتل.
إن انتصار غزة المتجسد بالحؤول دون الاستجابة للشروط الصهيونية تحقق بعاملي بطولة الشعب الفلسطيني وصلابة المقاومين وإبداعاتهم القتالية الباهرة، والعامل الثاني تضافر وإطباق حلقات محور المقاومة بالإسناد الناري، لاسيما لبنان الذي قدم الغالي والنفيس من خيرة شبابه المقاومين وعلى رأسهم قائد المقاومة وشهيدها الأسمى على طريق القدس سماحة السيد حسن نصرالله.
هذا الضغط الذي مارسته المقاومة في لبنان بدافع قيمي أخلاقي وطني وقومي، قلص الضغوط عن غزة المحاصرة، وشتت الجهد العسكري للعدو الذي اضطر مرغما إلى خيار توزيع قواه وفرقه العسكرية خارج مسرح عمليات غزة ، ما أتاح لقوى المقاومة الفلسطينية فرصة التعامل مع جهد حربي على ضراوته يعد أقل زخما إزاء تحشيدات ضخمة جرى تسريبها قسرا إلى جبهة الشمال.
وبالطبع لا ننسى اليمن وتعطيله للملاحة الشريانية البحرية الحيوية المغذية للكيان العبري الزائل باعتراف القيادة الأميركية الوسطى التي أقرت بأن قواتها البحرية لم تواجه خطرا كالذي واجهته مع اليمنيين منذ الحرب العالمية الثانية .
كما لا ننسى الحشد الشعبي العراقي ومساندته لفلسطين متخطيا الكثير من العقبات .
والحال، فالنصر الفلسطيني يشكل قفزة نوعية للمقاومة الفلسطينية في خضم الصراع الوجودي المفتوح مع الكيان المؤقت لأسباب أبرزها:أن طوفان الأقصى جرف إسرائيل الوسطى لتبقى إسرائيل الصغرى أسيرة القلق الوجودي واللايقين من استمرار الكيان المستهدف جيلا بعد جيل والغضب الفلسطيني لصيق الأجنة كوشم متناسل، ولن تنطفئ جذوة النضال مهما غلت التضحيات فإن ما جرى هو منصة انطلاق متجددة في مجرى الصراع إلى أن يعود الحق لأهله.
إن حاصل المواجهة على مدى سنة وثلاثة أشهر أفضى إلى تجويف للأهداف وتجريف للطموحات التي رسمها العدو الصهيوني في هجمته المتوحشة على غزة والتي لم تكسر إرادة الشعب الفلسطيني في القتال حيث أبدع في ابتكار أساليب جهادية فاعلة ومؤثرة في معنويات جيش العدو بالقدر الذي أثخنته وألحقت به خسائر لا طاقة له على الاستمرار باحتمالها، واستعاض عنها بالقتل وجرائم الإبادة .
إزاء ما تقدم، بالإمكان في معرض الربح والخسارة مقاربة الميزان على نحو أن مئة ألف فلسطيني استشهدوا مقابل الآلاف من الصهاينة غادروا الكيان في هجرة دائمة وهذا لعمري بذاته انتصار كبير يطال جوهر المشروع الاستيطاني الصهيوني الإحلالي، لأن مهلكة الكيان العبري المتأصلة كانت وستظل إلى أمد.. الديمغرافيا ثم الديمغرافيا ...ومقتل ديمومة الكيان عزوف اليهود عن الهجرة إلى فلسطين المحتلة خوفا وقلقا من طوفان قد يتجدد في أي لحظة .
إذًا، سحق حماس لم يتحقق، وتحرير الأسرى اليهود بالقوة لم يتحقق، والمقاومة لازالت في عز قوتها، تصنع الذخائر وتنفذ العمليات النوعية، بما يؤشر على استمرار روح المقاومة وجذوة نضالها في اشتعال واشتغال دائمين، وخطة الجنرالات في القتل والتدمير والتهجير وإحلال اليهود في شمال غزة سقط وانسحب أو سينسحب مع الجيش الصهيوني منها إنفاذا لصفقة التبادل ووقف إطلاق النار .
هذه جولة وليست نهاية الحرب، إنه طوفان إعجازي وصمود أسطوري وقتال عجائبي خاضه رجال الله في الحافة في لبنان، قبالة سبع فرق عسكرية صهيونية ما لم يشهده تاريخ المقاومات عبر العصور، وفي غزة حيث العزة نقطة في بحر غزة، والنصر تحقق على وقع تهشم صورة الكيان عالميا بالإدانات والتحركات الشعبية، وننتظر بركات هذا النصر، تصدعات بنيوية واتهامات ومحاكم ولجان تحقيق، على غرار( فينو غراد لبنان) ستكون الطبق اليومي من الآن وصاعدا للمستويين السياسي والعسكري، ناهيك عن صراعات المتدينين والعلمانيين والشرقيين والغربيين وووو.
أما فذلكات المتنمرين البائسين المتباكين على الضحايا خبثا، والمتهكمين على النصر سخفًا، ستبقى كما يقول المثل العربي زقزقة في بقبقة.