طارق ترشيشي - خاص الأفضل نيوز
خرج رئيس الحكومة المكلف نواف سلام من اللقاء الأخير مع رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة ليؤكد انهما يقرأآن معا في كتاب واحد هو الدستور المنبثق من اتفاق الطائف وذلك في معرض الاستشارات النيابية غيرالملزمة التي اجراها لتأليف الحكومة الجديدة، وقد استتبعه بلقاء آخر مع رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد في حضور المعاون السياسي لرئيس مجلس النواب نبيه بري والمغون السياسي لالامين العام لحزب الله الحاج حسين الخليل.
وطبيعي أن سلام قصد بـ"الكتاب الواحد" ان يقول انه سيشكل حكومته استنادا إلى أحكام الدستور التي تلزم في أن تكون هذه الحكومة شاملة التمثيل لكل المكونات الطائفية والسياسية في البلاد بنحو العادل وغير منقوص بما يؤمن المشاركة الجماعية في السلطة التنفيذية بعيدا عن أستئثار اي فريق بها وكذلك بعيدا عن استثناء أي فريق عن التمثيل في الحكومة.
ذلك ان "اتفاق الطائف" الذي بات دستور البلاد منذ عام 1990 عندما نقل السلطة التنفيذية من يد رئيس الجمهورية الذي كان يتولاها قبل الطائف بمعاونة وزراء يختار من بينهم رئيسا يسميه "رئيس الوزراء" وليس رئيس مجلس الوزراء الى مجلس الوزراء مجتمعا إنما كان لتأمين مشاركة كل الاطياف اللبنانية في هذه السلطة التنفيذية الجامعة إذ كانت الشكوى قبل الطائف أن رئيس الجمهورية يتفرد بالسلطة التنفيذية وقراراتها على كل المستويات الوطني وبكل شاردة وواردة في البلاد.
وهذه المشاركة يقول "طائفيون" (نسبة إلى اتفاق الطائف) لا تتحقق على أساس تمثيل النواب في الحكومة من مثل ما ذهب البعض إلى تسويقه اخيرا من أنه يحق لكل أربعة إلى خمسة نواب ان يتمثلوا بوزير في الحكومة، وإنما تتحقق بتمثيل كل المكونات السياسية والطائفية في الحكومة كل حسب حجمها التمثيلي وليس العددي. علما انه وإلى حين إلغاء الطائفية السياسية يتم تشكيل الحكومات بالمعيار الطائفي مناصفة بين المسلمين والمسيحيين،ولكن بالمعيار السياسي يتم تمثيل القوى السياسية من ضمن الحصص الوزارية الطائفية بوزراء ينتمون إلى هذا الطرف السياسي او ذاك، والامر هنا سيان سواء كان المراد أن تكون الحكومة من مكونة من وزراء سياسيين أو من التكنوقراط. فالسياسيون موجودون في كل الطوائف، وكذلك التكنوقراط أيضا.
ويضيف هؤلاء "الطائفيون" انه أيا كانت نوعية الوزراء تكنوقراط ام سياسيين فإنه المنصب الوزاري هو أولا وأخيرا منصب سياسي قبل أن يكون إداريا تحكمة قاعدة "الطائف" بأن الوزير هو "رأس الهرم في وزارته"، لكن المهم الآن في معرض تأليف الحكومة الجديدة التي عليها أن تتحمل أعباء المرحلة وتشكيل ورشة لإنقاذ البلاد على كل المستويات، هو أن تخرج القوى السياسية من عقلية الاستئثار بالوزارات والسيادية والخدماتية خدمة لمصالحها الخاصة والضيقة إلى التزام الأصول في العمل الوزاري والاقرار بواقع ان كل الوزارات هي لخدمة الشعب اللبناني عموما ولا يجوز احتكارها لخدمة الاحزاب أو الجهات السياسية والطائفية التي ينتمي إليها الوزراء لأن هذا الأمر كانا سببا من أسباب الفساد والمحسوبية التي دمرت الوزارات والإدارات العامة أو جعلت خدماتها لطوائف أو أحزاب بعينها فيما اتفاق الطائف والدستور في واد آخر حيث يقضيان بأن تكون الادارات العامة في خدمة جميع اللبنانيين بلا استثناء.
على أن "اتفاق الطائف" يتضمن نصا واضحا وصريحا لجهة منع تدخلات المرجعيات الرسمية أو أي جهات سياسية وغيرها في عمل الوزرارت والإدارات العامة حيث انه يحظر على رئيس الجمهورية أو اي مرجعية دستورية او سياسية الاجتماع مع أي مدير عام او اي من الموظفين في أي وزارة أو إدارة الا في حضور الوزير المختص، وذلك قطعا لدابر التدخل في عمل الوزارات ولمحاولة صرف النفوذ لتحقيق مكاسب سياسية وانتخابية او حتى مادية بما يفسد هذه الوزارة او الادارة ويحولها لخدمة مصالح ومنافع سياسية وغير سياسية .وهذا البند "الطائفي" كان يوما السبب في ازمة كبيرة نشأت بين الرئيس الراحل إلياس الهراوي ورئيس مجلس النواب الراحل حسين الحسيني الذي اعترض بشدة على استدعاءات الهراوي لعدد من الموظفين الكبار في عدد من الوزارات الى الاجتماع بهم في القصر الجمهوري في غياب الوزراء المختصين، حيث طلب منهم خدمات لأغراض سياسية وانتخابية وغيرها، وذلك خلافا لاتفاق الطائف يوم كان في بدايت التزام الاسس التي قام عليها لتنفيذه عام 1990.
ومن هنا يقول "الطائفيون" أنفسهم أن حكومة الرئيس نواف سلام ستكون المؤشر إلى مدى جدية الجميع في مطالبتهم باستكمال تنفيذ اتفاق الطائف وتصحيح ما نفذ منه خطأ أو مشوهها، وهو ما وعد به الرئيس المكلف في "خطاب التكليف"، وكذلك وعد به رئيس الجمهورية في "خطاب القسم". وهو ما يمكن توقع ايراده واضحا وصريحا في مضمون البيان الوزاري للحكومة الجديدة.
ولذلك فإن القراءة في كتاب اتفاق الطائف والدستور التي تحدث عنها من مقر رئاسة مجلس النواب يفترض أن تؤدي إلى تشكيل حكومة جامعة تلتزم بتشكيلتها وادائها بهذا الكتاب، وأول خطوة في هذا الاتجاه تبدا من نوعية التشكسلة الوزارية ومعايير التمثيل الشامل فيها ويجب أن تكون الابتعاد عن ان يكون لرئيس الجمهورية حصة وزارية مثلما كان لبعض الرؤساء السابقين لان هذا الامر يشكل خرقاً فاضحاً للدستور الذي لا يعطي لرئيس الجمهورية اي حصة وزارية ولكنه يعطيه صلاحية ترؤس جلسات مجلس الوزراء عندما يشاء من دون أن يكون له حق التصويت على القرارات التي تتخذ في هذه الجلسات، لانه موقعه في السلطة هو موقع الحَكَم وأي حصة وزارية تعطى له من شأنها أن تخرجه من هذا الموقع إلى موقع الطرف في اللعبة السياسية وعندها سيكون كغيره من الافرقاء السياسيين عرضة لإطلاق النار السياسي من كل حد وصوب. وفي هذه الحال يتعرض الدستور للخرق الفاضح لان الحصة الوزارية تعيد لرئيسا الجمهورية نوعا من انواع السلطة التنفيذية التي كانت مناطة به حصرا قبل "اتفاق الطائف".
وفي اي حال فأن "الحصة الوزارية" التي تعطى لرئيس الجمورية طوال الحكومات المتعاقبة بعد "اتفاق الطائف"هي من الاخطاء المرتكبة في تنفيذ هذا الاتفاق والتي ينبغي تصحيحها لتمكين رئيس الجمهورية من ممارسة دوره الحَكًمي والرقابي ( وهو ما اشار اليه خطاب القسم) على المؤسسات. كذلك فإن من ابرز الاخطاء المطلوب تصحيحها قانون الانتخابات النيابية الذي على اساسه يتم تطوير النظام وتحقيق الاصلاح، فكل القوانين الانتخابية التي اعتمدت منذ العام 1992 وحتى الانتخابات الاخيرة في العام 2022 جاءت خلافا لاتفاق الطائف وخدمت مصالح القوى السياسية.
فإتفاق الطائف يقضي بإقرار قانون انتخابي يعتمد النظام النسبي الفعلي لتحقيق "عدالة التمثيل وشموليته لشتى فئات الشعب واجياله" وليس كما هي الحال اليوم حيث أن النظام النسبي المعتمد، اقله في الدورتين الانتخابيتين الاخيرتين هو نسبي في الشكل لكنه اكثري اقصائي في المضمون، بعد ان كانت القوانيين التي سبقتهما تعتمد النظام الاكثري وما كان يسمى "البوسطات" و"المحادل".
في حين النظام الانتخابي النسبي الحقيقي يكون، حسب اتفاق الطائف، باعتماد الدوائر الكبرى على اساس ان تكون المحافظات التقليدية الخمس دوائر انتخابية على أساس النظام النسبي أو اعتماد لبنان كله دائرة انتخابية واحدة على أساس النظام النسبي ايضا بحيث ان هذا القانون يحقق عدالة تمثيل اللبنانيين وشموليته في المجلس النيابي ومن تمثيل من هذا النوع لا يمكن بناء الدولة العادلة والقوية والمساواة بين اللنانيين وتبقى البلاد في ظل القوانين على ما هي عليه من تقاسم مغانم و مواقع إدارية ووظائف ويبقى لبنان دولة المزارع الطائفية والمذهبية والسياسية بدل أن يكون دولة مؤسسات تحكم وسلطة قضائية مستقلة وفصل وتوازن وتعاون حقيقي بين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائيه حيث ان الطائف ـ الدستور يقضي بـ"الفصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها".