طارق ترشيشي - خاص الأفضل نيوز
في الشكل "انتصرت" المبعوثة الأميركية مورغان أروتاغوس بحديثها من على منبر القصر الجمهوري يوم الجمعة الفائت عن أن حزب الله "هُزم" ويجب إبعاده عن المشاركة في الحكومة، لكنها هزمت في اليوم التالي عندما صدرت مراسيم تأليف الحكومة وبين صفوفها وزيران يمثلان حزب الله(محمد حيدر وركان ناصر الدين) إلى جانب وزيري حركة "أمل"( ياسين جابر وتمارا الزين) والوزير الشيعي الخامس (د. فادي مكي) الذي سماه المعنيون بالتأليف وقبل به "الثنائي الشيعي".
والواقع أن الثقل السياسي التمثيلي في الحكومة اقتصر على ثلاثة إلى أربعة قوى هي "القوات اللبنانية" و"كلنا إرادة" التي يمثلها رئيس الحكومة المكلف نواف سلام، وبيده الثلث الوزاري المعطل و"الثنائي الشيعي" الذي يملك "التعطيل الميثاقي" إن التحق به الوزير الشيعي الخامس، أي مكي.
و"اللقاء الديموقراطي" الجنبلاطي، ولم يمثل "التيار الوطني الحر" ولا تيار "المردة" ولا الكتل النيابية السنية الوازنة.
ولكن ليس واضحًا إن كان هناك أي فريق يرغب في استخدام "ورقة التعطيل"، تبعًا للظروف التي تمر بها البلاد وهي لم تخرج بعد من حرب مدمرة ما تزال تشنها إسرائيل، كما لم تخرج بعد من انهيار اقتصادي ومالي تعيشه منذ العام 2019 لا ينهيه إلا عملية إصلاحيّة كبرى واستعادة ثقة عربية ودولية وتدفق دعم ومساعدات خارجية قد تنطوي على شروط سياسية يمكن أن يجد المسؤولون أنفسهم ملزمين بتلبيتها.
غير أن الأوساط السياسية المتابعة لمسار السلطة الجديدة التي حددت برنامج عملها لنقل البلاد إلى آفاق "الإصلاح والإنقاذ" اللذين جعلهما سلام شعار حكومته وسماها "حكومة الإصلاح والإنقاذ"، تعتبر أن أهم مشروع سيتصدر اهتمامات هذه الحكومة وأولوياتها هو قانون الانتخابات النيابية الجديد الذي ستجري انتخابات 2026 على أساسه والذي سينتج سلطة جديدة في البلاد في ضوء التوازنات التي ستنشأ من نتائج هذه الانتخابات حيث أن كل فريق من الأفرقاء السياسيين سيسعى للفوز بالأكثرية النيابية لتكون له اليد الطولى في تكوين هذه السلطة.
ومن الواضح حتى الآن أن الولايات المتحدة الأميركية وحلفاءها من القوى السياسية اللبنانية سيسعون إلى أن تكون هذه السلطة لهم لاعتقادهم، أو هكذا يظنون، أن الفريق الآخر "انهزم"، أو على الأقل لم يعد قادرًا على الاستحواذ على هذه السلطة أو امتلاك سلاح التعطيل كما كان الأمر له في السابق.
وغالب الظن أن هذا "الفريق الآخر" قد وطّن نفسه على أنه سيتعرض لمزيد من الضغوط والحصار السياسي، وربما غير السياسي، طوال الفترة الفاصلة عن انتخابات 2026 بغية إضعافه أكثر فأكثر وإيصاله منهك القوى إلى ذلك الاستحقاق فلا يستطيع الفوز بأي كتلة نيابية وازنة ومؤثرة في عملية تكوين السلطة التي ستنبثق منه.
ولذلك، تقول الأوساط السياسية المتابعة، أن المرحلة المقبلة المنظورة والبعيدة ستشهد معارك سياسية كبيرة بين الأفرقاء السياسيين، على هامش ما ستضطلع به الحكومة من مسؤوليات ومهمات ستحددها في بيانها أو برنامجها الوزاري، على أن يلعب الدعم العربي والدولي المنتظر دورًا مؤثرًا في موازين القوى الداخلية قبل الوصول إلى استحقاق 2026 الانتخابي، بحيث أن القوى المشاركة في الحكومة ستتنافس بقوة على تحقيق الإنجازات في الوزارات التي أسندت إليها مستفيدة من الدعم الخارجي بغية استثمارها سياسيًّا وشعبيًّا في الانتخابات.
ومن هنا فإن المعركة السياسية الكبرى ستدور حول قانون الانتخاب وما سيكون عليه، أيكون على أساس النظام الأكثري؟ أم على أساس النظام النسبي؟
وكيف سيكون شكل الدوائر الانتخابية وحجمها وعددها وطريقة الاقتراع؟، بالطريقة التقلدية أم إلكترونيًّا بواسطة البطاقات الممغنطة وغيرها من الوسائل التي يمكن ابتكارها. على أن يتم استلهام القانون من وحي "اتفاق الطائف" الذي ستشدد الحكومة في بيانها الوزاري على استكمال تطبيقه.
إلا أنه قبل الوصول إلى الانتخابات، فمن المنتظر أن تطرح قضية السلاح وحصريته في يد الدولة، والمتوقع أن توجه دعوة رئاسية إلى مؤتمر وطني للحوار لإقرار الاستراتيجية الدفاعية التي تحدث عنها وعن "الحصرية" رئيس الجمهورية العماد جوزف عون في "خطاب القسم" أمام مجلس النواب.
حتى اذا حصل اتفاق على هذه الاستراتيجية يمكن عندئذ أن يتم تحديد مصير السلاح والمقاومة التي تمتكله.
إلا أنه على رغم السلطة الجديدة التي نشأت مع إنهاء الفراغ الرئاسي وتأليف الحكومة الجديدة والتي كان ينبغي أن تنشأ بعد انتخابات عام 2022 وحالت دونها النزاعات الساسية والتوازنات السلبية القائمة في مجلس النواب، فإن مخاطر كثيرة داخلية وخارجية لا تزال تحدق بالبلاد تأسيسًا على ما آلت إليه الحرب في غزة وفي جنوب لبنان وسقوط النظام السوري السابق، وتوجهات الإدارة الأميركية الجديدة التي تشير إلى أن منطقة الشرق الأوسط مقبلة على تطورات كثيرة بدأت إرهاصاتها بالظهور ولا بد من أن تكون لها انعكاساتها المباشرة وغير المباشرة على لبنان، خصوصًا إذا استمر مسار التطبيع بين بعض الدول العربية وإسرائيل، ولم يتم إقرار "حل الدولتين" الذي يضمن أن يكون للفلسطينيين دولة مستقلة عاصمتها القدس الشرقية. ويضاف إلى ذلك ما بدأ يحدق من مخاطر بلبنان إذا لم يتم تنظيم علاقات طبيعية بينه وبين السلطة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع في هذه الفترة الانتقالية التي لا يمكن التكهن بعد بموعد انتهائها وقيام سلطة مكتملة المواصفات الدستورية. اذ يخشى كثيرون أن لا يتم ذلك إلا بعد اكتمال صورة "الشرق الأوسط الجديد" الذي يدفع إليه الرئيس الأميركي دونالد ترامب حاليًّا، وذلك بعدما كان رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو قد أعلن عندما شن حربه التدميرية على قطاع غزة غداة عملية "طوفان الأقصى" أنه يخوض حرباً "لتغيير وجه الشرق الاوسط".