إسلام جحا - خاصّ الأفضل نيوز
لطالما كانت المرأة اللُّبنانيَّة رمزًا للنِّضال والتغيير، وحاضرة في مختلف الميادين، من ساحات الحراك الشَّعبيّ إلى قاعات الجامعات ومواقع العمل. ومع ذلك، يبقى حضورها في الحياة السِّياسيّة محدودًا، كأنها تقف على أعتاب القرار دون أن تدخل أبوابه بقوّة. ورغم الأصوات المطالبة بتمثيلٍ أوسع، لا تزال العقبات الاجتماعيَّة والقانونيَّة تقيِّد هذا الطموح.
*واقعٌ تثبته الأرقام
من النّاحية النَّظريَّة، يُفترض أن تكون الدِّيمقراطيّة اللُّبنانيَّة التي أعطت المرأة حقها بالاقتراع عام 1953 مساحةً تكفل حقوق الجميع، لكن الواقع يروي قصّةً مختلفة. فالتَّمثيل النِّسائيّ في البرلمان والحكومة، وإن شهد تحسُّنًا طفيفًا في السَّنوات الأخيرة، إلا أنّه لا زال دون المستوى المطلوب.
ومن الناحية العملية، برز في الانتخابات النّيابيَّة لعام 2022، تظهر الأرقام ترشح 118 امرأةً من أصل 1043 مرشحًا، أي بنسبة 15٪، بزيادة 4٪ عن انتخابات 2018. وفازت 8 نساء منهنّ فقط، بنسبة وصلت فقط إلى 6.25٪ من إجمالي المقاعد البرلمانيّة.
ومع تشكيل حكومة نواف سلام الجديدة، تمَّ تعيين 5 سيدات في مناصب وزاريّةٍ من أصل 24 وزيرًا، ممّا يشكِّل نسبةً تقارب 20٪. وتُعدُّ هذه الخطوة تقدُّمًا إيجابيًّا مقارنةً بالحكومة السّابقة التي تألفت أيضًا من 24 وزيرًا بينهم سيدةٌ واحدةٌ هي نجلا رياشي، التي تولّت منصب وزيرة الدَّولة لشؤون التنمية الإداريَّة.
*العوامل المؤثِّرة
وعن أسباب ذلك، سأل موقع الأفضل نيوز عضو مجلس نقابة المحامين في طرابلس المحامية باسكال أيُّوب التي عملت على تأسيس لجنة المرأة لأوّل مرةٍ في النقابة، ومثّلت لبنان في الأمم المتّحدة في المؤتمر الذي يُعنى بحقوق المرأة في 2019، حيث عزت ذلك إلى القوانين غير المنصفة للمرأة فيما يتعلق بالتمثيل السياسيّ في ظل غياب الكوتا، رغم نصّ الدستور على المساواة بين البنانيين. وبحسب المحامية أيوب ويرجع ذلك أيضًا إلى العقلية الذكورية المتجذرة في المجتمع، بالإضافة إلى احتكار الأحزاب التقليدية للقرار السِّياسيِّ، ما يحدُّ من فرص وصول النساء إلى مراكز صنع القرار.
*تحدِّيات وفرص
التَّحديات التي تواجه المرأة اللُّبنانيَّة في السِّياسة ليست مجرَّد أرقامٍ ونسب، بل تعكس ثقافةً تحتاج إلى تغيير جذري. فإلى جانب غياب الدَّعم الحزبيّ الحقيقي، تواجه النِّساء حملاتِ تشويهٍ وتهميش، مما يجعلهنَّ في كثير من الأحيان متردداتٍ في خوض المعترك الانتخابيّ. ومع ذلك، فإنَّ التَّحرُّكات النِّسائيَّة المتزايدة والمبادرات الدَّاعمة لدور المرأة في السِّياسة، تعطي بصيص أمل نحو مستقبل أكثر إنصافًا.
*المرأة تحارب المرأة
وعن مقولة "المرأة تحارب المرأة" ترى المحامية باسكال أيُّوب أنَّ هذه المقولة غير صحيحة، فهي ثقافةٌ أشيعت ولا صحّة لها، فالوظائف مفتوحة للجنسين والتّنافس موجودٌ ومشروعٌ، مضيفة: إنها وخلال مسيرتها كعضو في مجلس النقابة في طرابلس تلقّت دعمًا كبيرًا من المرأة الطرابلسية. ودعت أيوب كلّ النِّساء سواء كنّ في موقع القيادة أو الأمومة إلى الإيمان بأنفسهن والإصرار للوصول إلى أهدافهنّ؛ لأنّ نجاح المرأة نجاحٌ لكلّ النّساء وعدم السَّماح لأحد بالتشكيك بقدراتهن تحت أي ظرفٍ.
المشاركة السّياسيّة ليست ترفًا، بل حقٌّ أساسي وضرورة لتحقيق التوازن في الحياة العامة. وإذا كان لبنان يسعى إلى بناء دولةٍ حديثةٍ تقوم على العدالة والمساواة، فلا بدَّ من كسر القيود التي تعيق تمثيل المرأة السّياسيِّ، ليس فقط من خلال تشريعات داعمة، بل عبر تغيير اجتماعي شامل يعترف بأن تمكين النّساء هو تمكين للوطن بأسره.