إلياس المر - خاصّ الأفضل نيوز
حطت طائرة رئيس الديبلوماسية الروسية في أنقرة وفي جعبته العديد من الملفات الدسمة عنوانها ترتيب الأوراق والتنسيق بعد التطورات الأخيرة في المنطقة، أبرزها سوريا
العديد من الملفات الاستراتيجية التي تربط العلاقة الروسية التركية أبرزها الطاقة والاقتصاد تتمحور حول ثلاثة عناوين رئيسية، محطة أكويو النووية والتعاون العسكري، مشروع تورك ستريم للغاز، والتبادل التجاري
فالأول يعتبر الأكثر حساسية على صعيد إدخال التكنولوجيا النووية والسلاح الروسي الثقيل كمنظومة الدفاع الجوي أس ٤٠٠ إلى دولة تعتبر من أبرز أعضاء الناتو المنظومة المعادية للمحور الشرقي الذي تعتبر تدخلاتها في أوكرانيا من الأسباب الرئيسية التي دفعت روسيا للتخلي العسكري في أوكرانيا في عملية حربية دخلت اليوم عامها الرابع، وهذا الملف يحمل حساسية كبيرة في علاقة تركيا مع الغرب الحليف، وتعتبر تركيا دولة مشاكسة داخل التحالف الغربي بحيث تسعى دائما لموازنة علاقتها بين الشرق والغرب
والثاني، أي مشروع تورك ستريم يعتبر مشروعًا حيويًّا، يجعل من تركيا نقطة محورية لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا في ظل تطورات تشهدها الدول الأوروبية تتمثل بتحديات سياسية واقتصادية تمثلت بالإنتخابات المبكرة في ألمانيا التي أطاحت بالحزب التقليدي الحاكم ووصول الحزب اليميني القريب من روسيا إلى السلطة كواحدة من نتائج الدعم الذي قدمته ألمانيا لأوكرانيا في حربها ضد روسيا، كما ويشكل هذا المشروع تحدي للارادة الغربية التي تسعى إلى إفقاد روسيا ورقة الطاقة الضاغطة على أوروبا وإيجاد طرق وقنوات بديلة عن الغاز الروسي باتجاه أوروبا وأبرزها من إسرائيل وقطر وذلك عبر سوريا، هذا المشروع كان واحدًا من أسباب الحرب في سوريا لسنوات طويلة وعاد اليوم إلى الواجهة بعد سقوط النظام السابق ووصول إدارة حليفة لقطر إلى السلطة وربما سيشكل هذا الملف موضع نقاش وتباين بين الحليفين العضويين القطري والتركي، وفي الملف الثالث تسعى روسيا وتركيا لزيادة التبادل التجاري بين البلدين ليصل إلى مئة مليار سنوياً في الأعوام القادمة، وهي تشمل بالإضافة إلى المشاريع الاستراتيجية والطاقة التي ذكرناها، التبادل الذي يشمل المعادن والصلب حيث بلغ ٣ مليار دولار سنوياً واستيراد القمح الروسي الذي تخطى عتبة المليار دولار، بالإضافة إلى المنتجات الغذائة والزراعية حيث تعتبر روسيا من أهم الأسواق للمنتجات التركية، كذلك السياحة حيث بلغ عدد السياح الروس إلى تركيا ٧ ملايين سنوياً،
يستعد البلدان للوصول إلى عتبة ال ١٠٠ مليار دولار سنوياً متحدين في ذلك العقوبات الغربية على التبادلات التجارية الروسية وصعوبة التحويلات المالية عبر نظام السويف، علماً أن هذا التبادل وصل إلى ذروته عام ٢٠٢٢ ب ٦٨ مليار دولار.
سوريا
ربما المحطة الأبرز في زيارة وزير الخارجية الروسي في اللقاء الذي سيجمعه بوزير الخارجية السوري بوساطة تركية لترتيب العلاقة التي شهدت توتراً في المرحلة الأخيرة بالرغم من كل التصريحات الإيجابية التي خففت من حدة التوتر أبرزها ما صدر عن الشرع حول عدم رغبة الإدارة السورية على تصعيد المواجهة السياسية مع روسيا بسبب المصالح الكثيرة والمعقدة التي تجمع البلدين وما صدر مؤخرا من موقف عن الحكومة السورية بعدم استعجالها لخروج القوات الروسية المتبقية في القاعدتين الجوية في حميميم، والبحرية في طرطوس،
روسيا والمياه الدافئة
بالرغم من اعتمادها في السنوات الأخيرة على القطب الشمالي مستفيدة من ذوبان الجليد بسبب الظروف المناخية التي رفعت درجات الحرارة إلا أن الوصول إلى المياه الدافئة طالما شكل هدفاً وسعياً استراتيجياً لروسيا التي خاضت لأجله الحروب على ثلاثة محاور رئيسية، البحر الأسود والمضائق التركية سيما البوسفور والدردنيل، وبضمها لشبه جزيرة القرم تأمن اليوم هذا الجانب حيث باتت تعتبر اليوم القرم أهم موانئ التصدير إلى العالم.
المحور الثاني المحيط الهندي والخليج العربي، وهنا سعت وحققت روسيا علاقات استراتيجية مع كل من إيران والهند ودول الخليج العربي لا سيما الإمارات والسعودية، وأصبحت شريكًا موثوقًا به بالنسبة لهذه الدول على المستوى الاقتصادي من خلال الأوبك بلاس، وكذلك السياسي حيث وجدت دول الخليج في روسيا شريكًا دوليًّا يحقق لها التوازن في السياسة الخارجية مع الغرب عموماً وأميركا تحديداً،
والمحور الثالث البحر الأبيض المتوسط حيث تشكل روسيا ولبنان محوره وهو ملف رئيسي على طاولة وزير الخارجية لافروف في أنقرة وقاعدة المباحثات مع سوريا عبر وزير خارجيتها، وتعلم سوريا أن من مصلحتها التنسيق والتعاون مع روسيا التي أكدت على تمسكها بوحدة أراضيها وعدم دعم أي حركات أو توجهات انفصالية وهذا يعني الملف الكردي بشكل أساسي بالإضافة إلى العلاقات الوثيقة التي بنتها روسيا عبر السنوات الأخيرة مع المكون المسيحي الرئيسي في سوريا، وكذلك مع العلويين من خلال تحالفها مع النظام السابق بهدف محاربة الإرهاب، وحماية المكونات، وذلك عبر علاقات سياسية ودينية وثيقة نسجتها وتستطيع من خلالها أن تساهم في مشروع التضامن الداخلي والتعاون بين المكونات السورية تعاوناً تحتاجه الإدارة السورية والمرحلة الجديدة في سوريا على قاعدة الشراكة الحقيقية التي تؤمن التوازن والاستقرار السياسي.
بذلك تكون روسيا مرّة جديدة عاملاً رئيسياً، وشريكًا في الملف السوري، حقيقةٌ باتت تدركها الإدارة السورية مباشرة أو عبر حلفائها المباشرين قطر ولا سيما تركيا، ونتيجة الاجتماع في أنقرة ستظهر في الأيام والأسابيع المقبلة من خلال مستوى التعاون مع روسيا من جهة ومع المسيحيين عبر الكنيسة وشخصيات المجتمع المدني، كما وسيشكل مؤتمر الحوار الداخلي المزمع انعقاده قريباً مساحة لتظهير هذا التعاون وترجمته بالشكل الصحيح.