غدير عدنان نصرالدين - خاصّ الأفضل نيوز
رغم كونه جزءًا أساسيًا من الاقتصاد المحلي، يواجه قطاع الصيد البحري في لبنان تحديات كبرى تهدد استدامته، شأنه شأن العديد من القطاعات الأخرى في البلاد.
يعتمد عدد كبير من الأسر على هذا النشاط كمصدر دخل رئيسي، إلا أنه يفتقر إلى أبسط المقومات والتقنيات اللازمة لتطويره. فيما يواجه الصيادون ضغوطًا متزايدة، سواء في الموانئ المنتشرة على طول الساحل اللبناني أو بفعل الأوضاع الاقتصادية والسياسية التي تثقل كاهلهم، مما يهدد مستقبلهم المهني واستدامة الموارد البحرية.
في ظل غياب الدعم الحكومي والرقابة الفعالة، يجد الصيادون أنفسهم محاصرين بـ "شباك الإرهاق" التي تمتد من نقص المعدات والتقنيات الحديثة إلى الظروف الاقتصادية العصيبة التي تفاقمت منذ عام ٢٠١٩، وصولًا إلى التداعيات التي فرضتها الحرب الأخيرة، جميع هذه الظروف القاسية بحق الصيادين قلّصت أرباحهم ووضعت الكثير منهم أمام خطر فقدان مصدر رزقهم الوحيد.
مرض البحر: الكمبريسور وتداعياته على البيئة البحرية وحقوق الصيادين
في سياقٍ متصل، أكد خليل درمسيس، أحد صيادي مدينة صور، في حديث لـ "الأفضل نيوز"، أن الصيادين لا يطالبون الدولة بدعم مالي، بل يناشدونها لكي تضع حدًّا لاستخدام "الكمبريسور" في قوارب الصيد (أي الذي يتم وضعه بالفلوكة)، لما يشكّله من تهديد خطير على البيئة البحرية. وشدّد درمسيس على أن انتشار الديناميت بشكلٍ غير مضبوط يزيد من خطورة الأمر، إذ يُستعمل الكمبريسور لتمكين الصيادين من تفجير حزم الديناميت في المياه العميقة، ما يسمح لهم بجمع كميات هائلة من السمك، وهو ما لم يكن ليحدث لولا وجود هذه التقنية. واصفًا الكمبريسور بـ "مرض البحر"، مؤكداً أن بعض الصيادين يحققون مكاسب كبيرة باستخدامه، بينما هناك آخرون يعتمدون على وسائل الصيد التقليدية مثل الشِباك والصنارة ليلاً حيث أنهم لا يتسببون بأذى للثروة البحرية ولا لرزق الآخرين، إذ يكافحون يوميًا لتأمين لقمة عيشهم وسط ظروف اقتصادية قاسية.
أما في ما يتعلق بتلوث المياه البحرية، أكد الصياد خليل درمسيس أنهم لا يصطادون السمك أبداً في المناطق القريبة من المجارير، بل يتركز نشاطهم في عمق البحر، على مسافة تتراوح من ٤ إلى ٥ كيلومترات داخل البحر، حيث تكون نوعية الأسماك أفضل وأكثر جودة.
بين المنافسة والاستيراد: السمك المستورد يهدد قطاع الصيد اللبناني
إلى جانب ذلك، أشار درمسيس إلى التأثير السلبي للسمك المستورد على قطاع الصيد المحلي، واصفًا ذلك بأنه "ذبحهم ذبح"، موضحاً أن هناك نوعين من السمك المستورد؛ الأول والذي يعرف باسم "سمك الطرد"، وأنواعه المتواجدة في لبنان هي "اللقز"، "الفريدي"، و"الغزال"، والذي يصل إلى لبنان بمدة صلاحية لا تتجاوز 24 ساعة ولا يؤثر على صيَّادي الأسماك، والثاني هو السمك المجلد، وهو الذي يؤثر سلباً على الصيادين والسوق المحلي، حيث يتقلص بسببه المردود المادي العائد للصيادين إلى النصف تقريباً.
وأمام هذا الواقع، ناشد درمسيس الدولة لاتخاذ إجراءات حاسمة للحد من استخدام "الكمبريسور" في الصيد ومنع استيراد "سمك الطرد"، خاصة وأن العديد من المطاعم باتت تفضله على الأسماك المحلية النظيفة بسبب انخفاض سعره، مع العلم أنَّ بعض التجار وأصحاب المسامك يلجؤون إلى خداع المطاعم عبر بيع هذا السمك على أنه بلدي، طازج ومحلي، في حين أنه ليس كذلك.
معاناة الصيادين في صور: غياب النقابة وتأثير الأزمات المتعددة
أشار الصياد خليل درمسيس إلى أن استقالة رئيس نقابة صيادي الأسماك في صور، طه خليل، أدَّت إلى فراغ في هذا المنصب حالياً، حيث باتت الأمور تُدار وسط حالة من الفوضى والهرج والمرج، دون استجابة تُذكر لمطالب الصيادين بشأن أزمة "الكمبريسور" وغيرها من التحديات التي تواجههم، مما جعل الحمل يُلقى على عاتق بعض المسؤولين دون وجود حلول.
وأكد درمسيس أنه يسعى دائمًا للدفاع عن حقوقه في "ميناء صور" والوقوف ضد الخطأ، خاصةً أنه يُعيل عائلته ويواجه ضغوطًا معيشية متزايدة، فمنزله بالإيجار وأطفاله يدرسون في المدارس الخاصة، في ظل تردي مستوى التعليم الحكومي، ما يجعله يخوض تحديات يومية لضمان تعليمهم، مضيفاً أنه لا يملك مصدر دخل آخر سوى مهنة الصيد، وهي مهنة غير ثابتة، إذ تتأثر بعوامل الطقس وعوامل أخرى تضطره أحيانًا إلى الإنفاق من مدّخراته.
وفي السياق، استذكر درمسيس تأثير الحرب الأخيرة على الصيادين، مشيرًا إلى أنهم اضطروا للبقاء شهرين بلا عمل، دون أي تعويض، إلى أن سُمح لهم، من قبل الجيش، باستئناف أعمالهم البحرية مجدداً وذلك عقب التهديدات الإسرائيلية التي منعت الصيادين من النزول إلى البحر.
استغلال "المسامك" تحدٍّ إضافي يثقل كاهل الصيادين
ومن جهة ثانية، أشار درمسيس إلى أن الصيادين يواجهون تكاليف يومية مرتفعة، حيث يُنفق الصياد ما بين مليون ونصف إلى مليوني ليرة يومياً لشراء الطُّعوم اللازمة للصنارات، إضافة إلى تكاليف المازوت التي تتراوح بين ٩٠٠ ألف ومليون ليرة. أما ما يتبقى من هذه المصاريف لتأمين قوتهم اليومي، فهو متروك للأقدار، مع الإشارة إلى أن تحقيق دخل ثابت من البحر هو أمر غير مضمون خصوصاً أن طبيعة عملهم تتأثر بعوامل عديدة، ولكن يمكن القول لو أن الممنوعات المستخدمة في الصيد لا يتم استخدامها، من الممكن للشخص أن يضمن ما قد يكسب.
كما نبه "درمسيس" إلى أن المسامك تُفاقم من معاناة الصيادين، والمزاد الذي كان من المقرر فتحه في ميناء صور ولم يبصر النور بعد، فسح المجال للمسامك لاستغلال الوضع، وذلك عبر التحكم بأسعار الأسماك وبيعها كما تشاء. ولفت إلى أن تفعيل المزاد قد يساهم في حل العديد من المشكلات، حيث يُتيح للصيادين بيع أنواع محددة من الأسماك بأسعار أعلى، ما يعزز من فرص تحسين دخلهم مقارنة بالأسعار التي تفرضها المسامك، إذ أن كيلو السمك الذي يُباع للمسامك بمليون ونصف، على سبيل المثال، يمكن بيعه على المزاد بما يُقارب ٥ مليون ليرة لبنانية…
في المحصلة، مع هذه التحديات التي يعاني منها صيادو الأسماك، بات من الضروري اتخاذ خطوات أساسية لتنظيم القطاع وحمايته مع استرجاع حقوق الصيادين المهدورة... فمع اقتراب عيد العمال، لا بد من الإشارة إلى أن الصيادين الكادحين في عملهم من أجل تأمين لقمة العيش، هم جزء لا يتجزَّأ من المجتمع ولا يمكن تهميشهم لأي سبب من الأسباب! فحماية قطاع صيد الأسماك لا تصب فقط في مصلحة الصيادين، بل ضرورة اقتصاية وبيئية لضمان استدامة الثروة البحرية في لبنان...