نبيه البرجي - خاص الأفضل نيوز
كيف يمكن للعالم أن يكون فوضوياً وعشوائياً إلى ذلك الحد؟
لا أحد يعرف أمام أي مشهد دولي، أو أي مشهد شرق أوسطي، سنكون.
لبنانياً، أمام أي مشهد سنكون ما دام هناك من لا يزال يدق بكلتا يديه على أبواب جهنم؟
كل منا يحلم بأن يكون في دولة تستطيع أن تحمي أرضها، وأن تحمي أهلها.
ما من مرة، ومنذ الاستقلال حتى اليوم، وجدت هذه الدولة. ضروري أن نختلف حول "حرب الإسناد"، وحول أشياء كثيرة تتعلق بالرؤية السياسية والاستراتيجية لكل منا.
ولكن من يمكنه أن يتكهن إلى أين يجر دونالد ترامب الكرة الأرضية، وإلى أين يجر بنيامين نتنياهو الشرق الأوسط؟ هل هذا هو الوقت الملائم؟ وبغض النظر عن الضغط الدولي أو عن الإثارة السياسية والطائفية والاعلامية، وقد دخلت في يومياتنا، لطرح مسألة سلاح "حزب الله"؟
هذه هي سوريا. الطائرات الإسرائيلية دمرت كل الثكنات، وكل المستودعات، وكل الأسلحة، وكل المراكز العلمية، وكل المحطات الرادارية العائدة للجيش السوري، لتغدو سوريا ولطالما كانت حلبة للصراعات الدولية والإقليمية، دولة منزوعة السلاح.
بالرغم من ذلك، فإن الطائرات، وبذرائع واهية، ما زالت تشن الغارات وحتى على دمشق.
وزير الدفاع يسرائيل كاتس توجه من قمة جبل الشيخ، القمة السورية المحتلة، إلى الرئيس الانتقالي للدولة أحمد الشرع بالقول وبالغطرسة والفظاظة، إياها، "من هنا نراقبك"، فيما الدبابات تتقدم أكثر فأكثر نحو دمشق التي قال فيها سفر اشعيا "... وتزول من بين المدن وتغدو ركاماً من الأنقاض ".
بالصوت والصورة، قال رئيس لجنة الأمن القومي في الكنيست بوعاز بيسموت، خلال جلسة إقرار الموازنة، أن سوريا "يجب أن تكون تابعة لنا، تماماً مثل الأردن من دون قدرات عسكرية"، مضيفاً بـ"أننا لن نسمح بظهور قوة عسكرية في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد... ويجب أن تكون دمشق تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة... وسنضمن دخولها تحت سيطرتنا... سوريا هي جسرنا للوصول إلى الفرات (من النيل إلى الفرات)، وسوف نصل إلى العراق وكردستان في المستقبل"، ما يعني أن الغاية الإيديولوجية والاستراتيجية، للدولة العبرية ـ وإن اضطر بيسموت لنفي كلامه بالنظر لخطورته وتداعياته ـ تفجير الشرق الأوسط بما في ذلك تركيا وإيران.
بديهي السؤال إذا كان الإسرائيليون ينظرون إلى سوريا هكذا، كيف ينظرون إلى لبنان، بالتشتت السياسي والطائفي، وبوجود من يدعون، كقضية وجودية، إلى إحداث تغيير بنيوي في الصيغة الدستورية للبلاد؟ لبنان، في أي حال، ليس بمنأى عن الأخطار الإقليمية.
الديبلوماسي الأميركي المخضرم ريتشارد هاس يرى أن الصراعات في الشرق الأوسط قد تأخذ منحى أكثر تعقيداً في المرحلة المقبلة إذا ما تقاطع الجنون الإسرائيليّ مع بعض القوى الإقليمية التي ما زالت، حتى الساعة، تراهن على إحياء أمبراطوريات دفنت، وإلى الأبد، في التاريخ.
ما دام نتنياهو ماض في سياساته الهيستيرية (التوراتية)، لا بد للبنان أن يبقى في مهب الاحتمالات على أنواعها، وإن كان البعض يراهن على المظلة الأميركية التي كثيراً ما أثبتت أنها ليست بالمظلة الواقية بل هي تخضع للتقلبات السياسية، فضلاً عن التقلبات الاستراتيجية في عالم يبدو وكأنه يتأرجح على خيوط العنكبوت. هذا وقت لالتقاط الأنفاس أو لإزالة الأنقاض، وعلى رأسها الأنقاض السيكولوجية بطبيعة الحال.
الطريق طويلة وشاقة على أمل أن تنتهي بالقيامة لا بالخشبة إذا ما واصل البعض أساليب الإثارة السياسية كطريقة لتقطيع أوصال البلاد.
لا مجال للشك في أن هناك قوى يتم تحريكها كما الرسوم المتحركة. لا مجال للشك أيضاً أن هناك قيادات تعتبر أن بقاءها على عروشها رهن بتسويق ثقافة الغيتو التي طالما وصفها الكي دورسيه (مقر الخارجية الفرنسية)، كما الكرادلة المعنيين في الفاتيكان، بثقافة المقبرة لأن تميز لبنان، وبقاءه يرتبط بديناميات التفاعل بين مكوناته الطائفية والثقافية.
المشكلة في هذه الحال، الصراع لا يكون فقط بين الطوائف، وإنما داخل كل طائفة، ما يعني التحلل الحتمي للدولة الفديرالية أو للدولة الكونفديرالية.
الشواهد لا تحصى.
هكذا يحتدم الجدل البيزنطي لا حول جنس الملائكة، وإنما حول جنس اللبنانيين، في حين أن الطائرات الإسرائيلية (وبماذا يختلف الاحتلال الجوي عن الاحتلال البري؟)
تضرب أينما شاءت، وكيفما شاءت، دون أن يتمكن لبنان من التصدي لها ولو بالحجارة.
المذهل أن ثمة من يصدق أقوال رئيس الحكومة الإسرائيلية وزبانيته، ويتخذ من هذه الأقوال ذريعة لتعزيز مواقفه السياسية.
كلود شيسون، وزير الخارجية الفرنسية الأسبق والذي التقيته، لدقائق قليلة، مع آخرين خلال حفل تخرج في المعهد العالي للأعمال (EZA )، دعانا إلى ضرورة "التأمل الخلاق في الحالة اللبنانية" مع الإشارة إلى دوره المحوري في صياغة "اتفاق نيسان" الذي أعقب المجزرة الإسرائيلية في بلدة قانا الجنوبية عام 1996.
وإذا كان هناك من يقول للأوروبيين الآن، وفي ظل الجدل حول المسألة الأوكرانية، "دعوا الشيطان نائماً... لا توقظوه"، يمكن قول ذلك للبنانيين أيضاً، كي لا تضيع أقدامنا، ورؤوسنا، بين النيران...