نبيه البرجي - خاص الأفضل نيوز
خبير في صندوق النقد الدولي قال لنا"المشكلة في لبنان أنه حيناً يدار بطريقة المزرعة، وحيناً بطريقة المغارة، وحيناً بطريقة الشركة، وحتى بطريقة الكازينو. قلما جرت إدارته بطريقة الدولة". من يدري الآن بأي طريقة يدار لبنان؟
لننتظر...
في السنوات الأخيرة من عمره، كان الرئيس سليم الحص يتقلب بين اليأس والألم حين يتحدث عن الحالة اللبنانية، وإلى أين وصلت. انتقد بشدة مقالة نشرت في "الفايننشال تايمز"، وفيها تشبيه لبنان بـ"طفل الأنابيب" الذي يقتضي بقاؤه في غرفة العناية الفائقة، بوجود أطباء (سياسيين) يبدون عاجزين حتى عن الاعتناء بالماعز، ليرى في لبنان "التجربة التاريخية الفذة" كنموذج للتنوع بين الثقافات، وبين الأديان، في منطقة غالباً ما تقوم دولها، إيديولوجياً، على البعد الواحد.
ولكن، من تراه، بين أهل السلطة، من تلقف تلك الحالة، وحاول تطويرها على أساس التفاعل مع إيقاع القرن. هكذا تم وضع إطار، أو ميكانزم، لضبط التوازنات بين الطوائف التي راحت تدور حول تفسها. دون أية قواعد فلسفية لبلورة ما يدعى في العلم السياسي "روح الدولة". مع تلاحق الأزمات، بما فيها الأزمات البنيوية، ألا ترانا نفتقد روح الدولة؟
أميركا الآن، وبالمباشر، في لبنان.
سبق للصحافي البريطاني ديفيد هيرست، وكنا نكتب سوية في جريدة عربية، أن كتب مقالة حول "الضياع الأميركي في لبنان".
الإدارات المتعاقبة اعتادت على أن تتعامل مع أنظمة توتاليتارية، برأس واحد. لكن لبنان الذي، ومنذ الاستقلال، استنسخ النموذج الغربي في الديمقراطية، وبمعايير غرائبية أحياناً، تحكمه توتاليتاريات متعددة الرؤوس.
لوياجيرغا طائفية بدل لوياجيرغا قبلية كما في أفغانستان. لا إمكانية لأي قوة خارجية أن تضع كل تلك الرؤوس في سلة واحدة.
بيد أن المرحلة الراهنة ليست بالمرحلة التقليدية. عواصف كثيرة، ونيران كثيرة، وكوارث كثيرة، هبت على لبنان. تخلخل سياسي وتخلخل اقتصادي، ناهيك عن التخلخل السوسيولوجي.
هنا يأتي دور العصا الأميركية.
ليست عصا المايسترو وإنما عصا الكاوبوي، بمفاتيح المال، وبالتحكم النسبي برؤوس الذئاب في إسرائيل. المثير هنا أن أمبراطورية تقود الكرة الأرضية، وبإمكانات أسطورية، تبدو وكأنها في حال صراع مع حزب لبناني تعرّض لسلسلة من النكبات نتيجة لحرب، باختلال مروع في موازين القوى، والسبب في تبني الولايات المتحدة، وبصورة ميكانيكية، الطرف الإسرائيليِّ، وفي قصور ما دعي بـ"محور الممانعة" الذي تعرض لضربة قاضية بحدوث التغيير في سوريا، وقد أدى إلى حدوث انقلاب دراماتيكي في المسارات السياسية، والعسكرية، للمنطقة.
لا مشكلة في أن يكون الأميركيون في لبنان إذا كان الروس أو الصينيون هم من يرثون الأميركيين في ما دعاه "مبدأ إيزنهاور" الذي أطلق عام 1907 "ملء الفراغ في الشرق الأوسط".
كثيرون يشيرون إلى الفارق النوعي في أسلوب الحياة بين أميركا وأسلوب الحياة في كل من روسيا والصين. جورج سوروس، رجل وول ستريت، حذر دول العالم، لا سيما الدول الأوروبية، من الاقتراب من الصين لأن ذلك يعني "الإقامة في بطن التنين".
الآفة الكبرى في التداخل العضوي بين أميركا واسرائيل.
حيثما يوجد الأميركيون، يفترض أن يوجد الإسرائيليون، أستاذ جامعي فلسطيني، ويحمل الجنسية الأميركية، سأل دونالد ترامب ما إذا كان الدستور الأميركي، أو قسم الرئيس الأميركي، يلحظ الولاء لإسرائيل أكثر من الولاء لأميركا؟
الأميركيون على بيّنة من تغير المشهد الشرق الأوسطي. لا حروب بعد الآن إلا بضوء أخضر من البيت الأبيض الذي كان يعتقد أن باستطاعة السياسات المجنونة التي انتهجتها تل أبيب، وحيث الهمجية في أقصى حالاتها، أن تفتح أمامه الأبواب لإعادة تشكيل الشرق الأوسط وفقاً للرؤية التوراتية. العرب، وللمرة الأولى، يستشعرون أن الخطر الوجودي على غزة، وعلى أهل غزة، هو خطر وجودي عليهم جميعاً. ديبلوماسي مصري مخضرم قال لنا "لسنا، في أي حال، عشاق الدم، لكن ما ظهر في الآونة الأخيرة فاجأنا كلنا. هل يمكن أن تكون أراضينا، وأن تكون دماؤونا، مباحة إلى ذلك الحد؟".
تأكيد على "مواقف حاسمة في هذا المجال وجرى إبلاغها إلى واشنطن بانتظار ردة فعلها، حتى إذا ما انعقدت القمة في 4 آذار المقبل نكون على بيّنة كاملة من الموقف الأميركي الأخير. الآن نلمس بدايات تبدل ما".
اللافت هنا ما يتسرب من أجواء لجنة المراقبة الدولية من أن رئيس هذه اللجنة الجنرال جاسبر جيفرز يعتبر أن بقاء إسرائيل في التلال الخمس لا ينطوي على أي جدوى عسكرية.
لماذا البقاء إذاً؟ الجواب في ما يجول في رأس بنيامين نتنياهو حول لبنان. ولكن حين تأتينا مورغان أورتاغوس بخاتم داود، ألا يعني ذلك أن علينا أن ننتظر صولجان داود؟
قد يكون علينا أن نصرخ في وجه دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو أن أنهار الدم في غزة، وفي لبنان، أقفلت أمامكما أبواباً كثيرة و... رؤوساً كثيرة.